يوسف عبد المنان

الأشخاص أم البرنامج


انشغلت الساحة السياسية الداخلية بالتعديلات المرتقبة في الحكومتين الاتحادية والحكم الولائي المنتظر إعلانها يوم غدٍ (الأربعاء)، بعد انفضاض المكتب القيادي للمؤتمر الوطني الذي فوض سلطاته للرئيس “عمر البشير” لتشكيل الحكومة الجديدة. ويقدم الرئيس غداً قائمة بأسماء الوزراء ووزراء الدولة والولاة، ويطلب من أعضاء المكتب القيادي إبداء الرأي حول ترشيحاته والتي لن تجد مشقة في العبور بموافقة أعضاء المكتب القيادي. وبكل أسف اهتمت الأوساط الحكومية والشعبية بأسماء الوزراء والولاة المغادرين والقادمين أكثر من الاهتمام ببرنامج الحكومة الجديدة التي تواجه مشكلات عصيبة، في مقدمتها الحرب التي تدور في الأطراف وتبعاتها وآثارها الاجتماعية والسياسية على المستقبل القريب والبعيد، حيث بات استمرار الحرب مهدداً لوحدة ما تبقى من السودان بعد ذهاب الجنوب. وتبدت مظاهر تهديد وحدة البلاد في الأحداث التي تشهدها الجامعات السودانية هذه الأيام، والصراع في الوسط الطلابي الذي أخذ أبعاداً خطيرة بين مناصري الحركات المتمردة وطلاب المؤتمر الوطني. ومثل هذا الصراع من شأنه الانتقال إلى الشارع إذا لم تضطلع الدولة بدورها في تجفيف بؤر مثل هذه النزاعات. ولا نعني هنا أن تستخدم الدولة العنف المادي وتعتبر كل قضية حلها في استدعاء الشرطة.. والبحث عن نصوص القانون وقضايا الصراعات السياسية التي تأخذ أبعاداً اثنية وجهوية لا تحل بالقانون والآلة العسكرية.. وقد انتظر السودانيون طويلاً وعود الحكومة بالقضاء على التمرد بقوة السلاح وفوهة البندقية ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.. وليتها (جربت) الحل السياسي السهل والسعي لحفظ دماء السودانيين أينما كانوا وحيثما ذهبوا.. والقضية الثانية التي ينتظر أهل السودان حلاً لها وهي وثيقة الصلة بالقضية الأولى، هي (قفة) الملاح وإصلاح الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، حيث طحن الفقر قطاعات واسعة من الشعب السوداني وبات متعذراً على الأسر الحصول على الدواء والماء والخبز الحافي، في الوقت الذي زادت فيه الطبقة الاجتماعية المرتبطة بالسلطة ثراءاً على ثرائها وتطاولت في البنيان مما أشاع الأحقاد وسط الناس، وما أحداث سبتمبر من العام قبل الماضي ببعيدة عن الأذهان. ولن تتحسن الأوضاع الاقتصادية إلا بإيقاف الحرب التي تمتص المال ومدخرات الحكومة. وقد توقفت الآن معظم مشروعات التنمية من بني تحتية وغيرها.. ولم تستفد البلاد من مشروعات أهدرت فيها مليارات الجنيهات مثل سكر النيل الأبيض وتعلية خزان الرصيرص الذي ضاعف المساحات الزراعية ولكن أين هي الزراعة؟؟
إن الحديث عن الدور الرقابي الغائب للبرلمان أهم من الثرثرة عن أسباب اختيار البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” والدكتور “عمر سليمان”، وهل الخطوة عودة للحرس القديم وتراجعاً عن خيار تجديد دماء النظام بالشباب؟؟ ثم هل تجربة الشباب نجحت أم أخفقت؟؟ وأي المعايير اتبعت حتى نصل للحقيقة الغائبة؟ وقد بدا ظاهرياً أن ثمة عدد مقدر من الشباب أثبتوا كفاءة ومقدرة على العطاء، وكان وجودهم بمثابة ضخ أكسجين الحياة في جسد الحكومة.. وهناك شباب تم تعيينهم في الدورة الأخيرة ولكنهم أخفقوا حتى في تقديم أنفسهم للرأي العام، ولا يعرف الشعب السوداني أسماء بعض الوزراء وبعض وزراء الدولة، بيد أن الأهم أن يعرف الشعب شيئاً عن برامج هؤلاء الشباب ورؤيتهم للتغيير ومستقبل البلاد الذي تحيط به الشكوك، في حال استدامة الأزمات التي تأخذ بخناق بعضها البعض، ولا حل قريب يلوح في الأفق لتلك المشكلات.

(صحيفة المجهر السياسي)