هيثم كابو

من شوفتو طولنا


* الناظر لسيرته والمُنقِب في مسيرته يدرك جيداً أنه من القلائل الذين قهروا الصعاب وذللّوا المستحيل وقفزوا فوق أسلاك الحياة الشائكة.. لم يصل لما وصل إليه بسهولة كما يحدث مع مغنواتية هذه الأيام.. واجه حروباً لا أول ولا آخر لها، ووضعوا أمامه متاريس عدة ليتغلب على كل الأوضاع.. صارع الإشكالات الحقيقية والمصنوعة وكانت له الغلبة.. تجاوز الضغوط النفسية التي يمكن أن تصل بالمبدع لدرجة أن يكفر بموهبته ويحطم (عوده) ويخاصم الغناء إلى غير رجعة وهو في سنوات الكفاح الأولى..!

* كان إيمانه بموهبته أكبر من حجم ما يحاك ضده من عقبات ومكائد.. إرادته الصلدة الفولاذية جعلته ينهض كلما حاول البعض عرقلته.. كان أكبر من الصغائر والدسائس وحسد الأنفس البشرية.. كان أقوى من المنافسة الفنية الشرسة في زمن إطلالته الأولى.. كان لا يبالي لأنه باختصار شديد رجل كامل الموهبة والإصرار والعزيمة والهمة.. فهنيئاً لنا بمحمد الأمين الذي يعتبر فناناً بقامة وطن ومبدعاً بشموخ أمة.

* الكتابة عنه تحتاج لأسلوب خاص.. لغة مختلفة.. مفردات مغايرة.. وطرح غير مألوف، فهو من الذين أعادوا صياغة (الثوابت الفلكية) من جديد وخرقوا عباءة العادي وحطموا أصنام التقليدية وكسّروا أطر النمطية..!!

* إذا أردت تعريفاً شاملاً وكاملاً للموهبة، فعليك أن تكتفي فقط بكتابة اسمه لأنه سيفضي مباشرة للتعريف الأمثل.. موهبته كالبحر هبة لا تُصنع، وكالمطر منحة لا تُستجلب، لذا من الطبيعي أن يكون رمزاً للإبداع يعرف قدر قيمته وجليل قامته كل صاحب حس فني وذائقة رفيعة..!!

* هو ملاذ عشاق الفن الأصيل في زمن تلوث فيه مناخ الغناء، واعتقد البعض أن الموهبة (قرص إسبرين) يبتلعه الواحد منهم فيصبح بين طرفة عينٍ وانتباهتها فناناً مضيئاً منتجاً يٌشار اليه ببنان الابداع..!!

* تفتقد ليالي الخرطوم المُسممة بالمرارات الاجتماعية والاحتقانات السياسية أمسياته الاستثنائية وحفلاته التي لا تشبه إلا روعة أغنياته.. كل من شاهد إطلالته الوسيمة وحضوره البهي وجبروته الفني المُهيب في إحدى حفلاته عرف معنى أن يكون الفنان قامة في زمن تقزم فيه العمالقة وتعملق الأقزام.. زمن شاحب الوجه مهيض الجناح (تفرعن) فيه (مغنواتية أي كلام) لا يستحقون أدنى عبارات التبجيل أو أقل معاني الاحترام..!!

* محمد الامين عبقرية فنية لا مثيل لها، فهو بئر إبداع لا تنضب كلما نزلت إلى أعماقه كشف لك عن أعماقٍ أخرى لا نهاية لها، فالرجل يمثل فصلاً كاملاً من تاريخ الفن ويبقى الغناء السوداني الحديث واحداً منقوصاً لا يكتمل إلا به..!!

* تظل غنائية الموسيقار محمد الأمين بمثابة كفارة فنية لكل تشوهات الغناء على مر العصور والأزمنة فهو صاحب تجربة كاملة التميز والاختلاف.. اختار أروع القصائد، وأجمل الأشعار، وأميز الكلمات، وألبسها أردية لحنية مدهشة وقدمها للناس في طبق من جمال عبر اداء بديع.. اختط لنفسه مساراً فنياً خاصاً.. اجتهد وتعب واحترم الجمهور و(الذواقة والسميعة) تحديداً فبادله الناس احتراماً باحترام، والتفوا حوله حتى بات الناطق الرسمي باسم أحاسيسهم والمعبر عن أشواقهم وآمالهم وأحلامهم.

* ننتظر من “ود اللمين” الذي يغيب (طويلاً) ثم يظهر (فجأة) زيادة عدد حفلاته، وجديد أغنياته، وتكثيف نشاطه.. و(من شوفتو طولنا.. منتظرين حفلاتو لا زلنا)..!

نفس أخير

* ولنردد خلف سعاد الصباح :

كنا كبار معه في كتب الزمان

.. كنا خيولاً تشعل الآفاق عنفوان

كان النسر الخرافي الذي يشيلنا

على جناحيه إلى شواطئ الأمان

كان كبيراً كالمسافات.. مضيئاً كالمنارات.. جديداً كالنبوءات.. عميق الصوت كالكُهان..!


تعليق واحد