مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : داعش.. مع من وضد من؟


تزداد تفجيرات داعش شرق المملكة فداحة باستهدافها اثنين من بيوت الله الآمنة، الفعل الناسف هنا لا ينسف الأجساد الساجدة فقط، وإنّما ينسف معها كل إحساس طاهر، بل يمكن أن يزرع في خيال الناس توجساً عاماً. وهذا هو ما حدا بالجهات الأمنية والأبطال الثلاثة المتعاونين معها، الذين استشهدوا في حادثة مسجد الإمام الحسين، من أن يقطعوا كل وسيلة للإرهابي من أن ينفذ إلى داخل المسجد، ويفدوا بأرواحهم جموع المصلين.
وبالرغم من صعوبة تفتيش وحراسة المساجد إلّا أنّ قوى الأمن أثبتت جدارتها باكتشاف الإرهابي وحصر الأضرار التي كانت لا محالة واقعة في أضيق نطاق، وأقلّ ما يمكن حدوثه في مثل هذه الظروف. ومن وسط الآلام كان لا بد من تسجيل إشادة بقوى الأمن لحسّها العالي الذي جعلها تتحسب لكل الاحتمالات ومنها تنكر الإرهابيين في الزي النسائي، لذا قامت بإغلاق الجزء الخاص بالنساء في المسجد، حتى إذا عاد الإرهابي إلى باب دخول الرجال تم كشفه وفجّر نفسه. لا أحد ينكر صعوبة محاربة تنظيم داعش نسبة لآليته الأخطبوطية متعددة الأذرع، إلّا أنّها ليست مستحيلة، ليقف العالم إزاءه متردداً.
إنّ تفجيري المسجدين انعدمت فيهما وسائل المواجهة، وفي كليهما كان الغدر والقتل غيلة، مما يتضح معه هدف داعش وهو خلق الفتنة وإثارة الفرقة بين الطوائف. ورغم أنّ هذا أحد أهدافه القذرة فهناك فوضى أخرى بإعدام كل من يقع في يده. فمن قبل أعدم مسلمين، وذبح صحفيين مسيحيين ووصل إلى فوضى ليبيا وأعدم عشرات الأقباط المصريين وعشرات المسيحيين الأثيوبيين، فهو بهذا ضد الجميع وضد الحياة نفسها.
خطاب داعش وممارساته تنطلق من العداء الشديد للآخر وواجب نسفه، وهذا الفكر لم يوجد بين يوم وليلة وإنّما كان يسري في مجتمعنا العربي بأشكال عديدة تمثلت في الاستعلاء الطبقي، والنعرات القبلية، والتمييز العنصري. وقد كانت الدعوة قبل عقود من الزمان لبناء دولة قومية أو أمّة جامعة هي استشعارا لهذا الخطر الذي أراد أن يذوّب هذه الفروقات في التفكير والتعامل، ولكن كانت آليات ذلك المشروع قائمة على التعامل مع النخب بين الدول العربية باعتبارهم الأكثر إدراكاً لحجم المشكلة، وبالطبع تغاضت النخبة في ترفعها عن عامة الشعب، فتماهت هذه الفوارق في الصوالين الفكرية والكتابات من على الأبراج العاجية وبقي ما في نفوس الشعوب من أزمات على حالها.
وكما تسري بين العامة وفي الأصقاع البعيدة عن مراكز التنوير المعرفي، مشاكل العنصرية والتراتب الطبقي والقبلي، فإنّه ولزمن طويل كانت التيارات الدينية المتطرفة تجد ضالتها في هؤلاء المهيئين نفسياً ووجدانياً، فأخذت تستقطب الفئات الأضعف في المجتمع. ومن هؤلاء كان الهدف الأول فئة الطلاب بحكم قلة خبرتهم وشدة حماسهم، ثم بعض الفئات الاجتماعية المعوزة اقتصادياً، ثم زمرة من الفاشلين والعاطلين.
في هذه الحالة نجد أنّ الإدانة وحدها لا تكفي، فداعش تعرف من أين تضرّ بالأمة، وها هي تجدّد من وسائلها وتتفنن في آليات التجنيد التي تستقطب الشباب المتحمس، والناشئة من ضائعي بوصلة التوجيه الأسري والمدرسي. فهؤلاء وبهذه الهمجية لا يردعهم إلّا قانون واضح ونافذ يضع خطاً أحمر أمام كل أشكال التفكير في تأجيج الطائفية وليس الاكتفاء بانتظار ما ينتج عنه التفكير من علقم وحنظل.


تعليق واحد

  1. ومازال السؤال الذي طرحته على عنوانك قائما ولا أجد له إجابة في كتابتك، “داعش.. مع من وضد من؟ ”
    لا علاقة لك بالأدب أو الخطابة أو الكتابة. ولا أدعي علمي بها أنا أيضا (:
    ولكن على الأقل قد تحظين بنسبة قرائة معقولة بسبب هذا العنوان.