منى سلمان

سوبر ناني .. العاجباني


كان الله في عون أمهات اليوم، فهن متنازعات بين نظريات تربية جيل الحبوبات المعتمدة على أسلوب (أمرك يا سيدي) وتدليل العيال بالقاب الحنان على شاكلة (الخمجان) و(عشا الضيفان) و(سيد الحيشان)، والتي تحفز الطفل للطلوع فوق رؤوس أهل البيت وتحوله لـ الحاكم بأمره في شئونهم .. وبين الانجراف والاستسلام لاساليب الامهات الزهجانات التي تعتمد آلية (بت أم كف) و(الدلدوم) و(المداعاة) في حسم أية بادرة دوشة أو وجع قلب من العيال .. وبين التصرف بـ (حضارة)، واللجوء لنظريات التربية الحديثة التي تمد الامهات بتدريبات واساليب نفسية تزعم انها ستمكنهن من التحكم في طريقة تنشأة اطفال معافين بدنيا وصحيا ونفسيا ..
بحافز من حكم انتمائي لجيل الامهات العاملات فيها مستنيرات، كنت أحرص على متابعة برامج تلفزيون الواقع التربوية كبرنامج (السوبر ناني)، واحاول ان اقلد بعض اساليب الدادة الخارقة وحلولها السحرية، خاصة وان معدي البرنامج يجتهدوا في ابراز نجاحاتها الباهرة في التخلص من (قرون) شيطنة العفاريت الصغار، بل وتحويلها لـ (اجنحة ملائكية) ..
وجدتها ذات مرة توجه احدى الامهات لاستعمال لغة الجسد في التواصل مع الاطفال .. فسألت نفسي دهشة .. سجمنا يا نسوان .. هي حصلت ؟ الولية دي دايرانا نرقص للعيال وللا شنو ؟
حتى اكتشفت ان الموضوع مجرد كوبير كلام، وان لغة الجسد المقصودة، هي توجيه الام لاستعمال الملامسة والاحضان كمكافأة للتعبير عن رضاها من تصرفات الطفل الايجابية، كذلك الاستعانة بـ العيون وطبقة الصوت في توجيه الطفل العنيد .. فعندما ترغبي ? مثلا – في جعل الطفل (يسمع الكلام)، فعليك الجلوس في الارض والنزول لمستوى عينيه عند المحادثة .. يعني (تختي عينك في عينو)، ثم تركزي كل قوة شخصيتك في حبالك الصوتية ليخرج منك الكلام بصوت حازم .. صارم .. مقنع في غير ارهاب، مثل الصوت الذي تستعمليه مع ابوه عندما تطلبين منه زيادة المصاريف .. التشبيه ده من عندي !!
طبعا حاولت مرة استعمل نظرية (الحومير) مع احد العيال فقال لي باستغراب:
ماما .. مالك بتعايني لي كدي ؟ خوفتيني !!
من ضمن نظرياتها التي حاولت تقليدها ايضا، ان لا تنهي طفلك عن فعل الشيء الذي يحبه قبل ان تقنعيه بالبديل .. فقد عانيت ما عانيت من محبة أحد صغاري ذو الميول البيكاسوية، للشخبطة بالاقلام على كل ما تصله اياديه الصغيرة .. حيطان البيت .. الاثاثات .. الدواليب .. قماش تنجيد الكراسي .. حتى تحول البيت لمتحف للفن التشكيلي (جدا)، جربت كل وسائل النهر والذجر والتهديد لردعه دون جدوى، حتى قررت الاستسلام للامر الواقع ومحاولة معالجة الخسائر بـ (الليفة والصابون) ما استطعت لذلك سبيلا، ثم كان أن حاولت تجربة نظريات السوبر ناني الحديثة التي تنصح بايجاد البدائل، على الطريقة العجرمية:
(عاوز ترسم ارسم لكن من غير ما تشخبط علـى الحيط)
فاحضرت له مع اخوانه الاوراق والالوان وقلت: (هيت لكم) .. انداحوا زي ما عايزين !
النصيحة لـ الله نفعتني النظرية حين من الدهر، ارتاحت نواحي البيت بسببها وقبلها الايادي من الحكحكة، وارتحنا من هيئة بيت المجانين التي كانت توحي بها (بينالي الحيطان)، ثم كان ان اختفى قلم الكحل من تسريحتي قبل ايام دون أن ابه لفقدانه، حتى رفعت راسي وانا اجالس احدى جاراتي في غرفة الضيوف، لافاجأ بالحائط خلفها وقد كلله السواد فعلمت المصير الاسود الذي آل إليه قلمي .. يا حليلو كحّلوا بيهو الحيطة .. اتاري ريمة رجعت لـ عاداتا القديمة ولا عزاء للنظريات ..
غايتو من بين وسائل التربية المحلية وفي نفس الوقت فعّالة ومجربة، في سبيل تنمية قوة الشخصية والمبادرة، ان توحي لطفلك بانه يشارك في اتخاذ القرارات الهامة .. مثلا تكوني قد اتفقت مع ابو العيال قبل تسعة شهور، ان تخصصوا من ميزانية شهر يونيو مصاريف يوم تذهبوا فيه مع العيال لحدائق حبيبي مفلس، ويكون الفن في الايحاء للعيال بأنهم اصحاب الفكرة واختيار المكان .. تقولي لهم:
يا اولاد ما زهجتوا من قعدة البيت ؟ حقوا نمرق نمشي لينا حديقة !!
فيوافقوك من فورهم ويبدءوا في الاقتراحات:
نمشي المنتزة .. فتقنعيهم بأنه (زحمة ومليان حرامية) نمشي مدينة الطفل .. فتحاجيهم بأنها (واسعة وحا تروحوا مني زي عمن اول داك) ..
نمشي العائلي .. سمعتا قالوا قافلنوا للصيانة .. ووو
واخيرا لا يكون امامهم سوى اقتراح اختيارك الاول (حبيبي مفلس)، فتظهري الفرحة والاقتناع بالاختيار الموفق حتى ينطلقوا لـ يجهزوا وفي قلوبهم نشوة من اتخذ قرار (حق تقرير المصير) !!
(أرشيف الكاتبة)