مصطفى الآغا

التوازن بين الجنسين


منذ الخليقة وهناك هيمنة ذكورية على الأنثى في كل بقاع الدنيا، ربما لأن التركيبة البيولوجية والجسمانية للرجل هي التي تحتم عليه أن يكون الأكثر قوة وسعيا وراء الرزق، عندما كان الرزق والصيد والبناء يحتاجون للقوة الجسمانية..

ومنذ بدء الخليقة ونحن نقول إن المرأة نصف المجتمع، ولكنها النصف المُغيّب في الكثير من دول العالم، وقائدة في دول أخرى، ولعلي أتذكر أنديرا غاندي ومارغريت ثاتشر تحديدا، لأنني عاصرتهما وعاصرت قيادتهما لدولتين، الأولى فيها أكثر من مليار نسمة، والثانية احتلت ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، حتى صار اسمها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، والآن نتحدث عن آنجيلا ميركل التي تقود ألمانيا بكل جدارة واقتدار.

إذن المرأة قادرة على القيادة، وقادرة على الشراكة الحقيقية مع الذكور في مجتمعها، شريطة أن يكون هناك توازن “وليس تساويا مطلقا” بينهما، ولأن الإمارات تُعتبر معجزة حضارية وعمرانية وسياحية واقتصادية، قياسا إلى عمرها الذي لم يتجاوز الخمسة والأربعين عاما، وقياسا إلى تعداد سكانها ومناخها، لهذا لم أستغرب أن تُصدر قيادتها قرارا بتشكيل مجلس للتوازن بين الجنسين، وإسناد رئاسته للشيخة منال بنت محمد بن راشد، المعروف عنها نشاطها الكبير في دعم قضايا المرأة، وإشراكها في بناء وطنها، وصولا إلى أن تكون “المرأة المتكاملة”، وهو برنامج تبنته ورعته ودعمته، وأهمّ ما فيه إصرارها على “عصرنة” المرأة الإماراتية، بما لا يتعارض مع التقاليد والعادات، وبنفس الوقت يدفعها نحو مواكبة العصر وتحدياته.

ولأنها ابنة أبيها، لهذا تدرك الشيخة منال بنت محمد بن راشد أهمية التواصل مع المجتمع الذي نظر بعض (رجاله وحتى سيداته) لمجلس التوازن بين الجنسين نظرة مترقبة، وربما قلقة أو حتى مشككة، لهذا تواصلت رئيسته مع الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت بطلب المشورة بالأفكار منهم حول كيف يخدم المجلس أفراد وحكومة الإمارات في تحقيق التوازن، ثم بدأت بشرح مبسط لفكرة المجلس في 280 حرفا فقط، فقالت “مجلس التوازن بين الجنسين هو مجلس اتحادي استشاري، يساهم في تعزيز دولة الإمارات كنموذج يحتذى به في ملف التوازن بين الجنسين، من أهم اختصاصاته مراجعة ومتابعة تقارير التنافسية العالمية، والعمل على وضع البرامج والخطط والسياسات التي تعزز من الصورة المشرفة لدولتنا”.

وبعد التفاعل الكبير معها غردت عبر حسابها على “تويتر” قائلة “سعيدة بتفاعل الرجال والنساء بموضوع التوازن بين الجنسين، وهذا يسهل عملنا كثيرا في المرحلة القادمة، ودليل على أن مجتمعنا يعي تماما أهمية التوازن”.

وأنا أعتبر نفسي من أول الداعمين لهذه الفكرة، وهذا لا يعني أنني ليبرالي أو علماني أو نصير للمرأة (كما نعتني البعض عندما غردت على حسابي بتويتر داعما لفكرة المجلس)، ولكنني نصير للتقدم والتطور، ومواكبة العصر الذي سبقنا بسنوات ضوئية، ونحن قادرون على اللحاق وحتى المنافسة إن وازنا بين نصفي المجتمع، بما يحفظ قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، وهو أمر وارد وتحقق فعلا في الإمارات، بعدما تحقق في غيرها من الدول التي نطلق عليها متقدمة، وباتت الإمارات دولة يُشار إليها بالبنان بين كبريات دول العالم، ومن يشكك بكلامي فلديه آلاف الإحصائيات التي تتحدث نيابة عني وعن الإمارات.