تحقيقات وتقارير

عبد الرحيم والناس: الخرطوم تفتح قلبها للجنرال صاحب البصمة العمرانية.. لعلها المفاجأة الوحيدة التي لم يتوقعها الشارع


ليس ثمة ما يدعو للاستغراب، فالأبطال هنا والروايات هناك، يتشابهان في المصير، مصير الرجال ومصير الأوطان، ذلك الجندي الذي ما إن بارح أرض المعركة إلا وشق عليه طريق العودة، تتناوشه الطبيعة، السماء قاتمة، والأرض جافة من العشب، جرعات الماء لا تكفي بالكاد لإطفاء عطش الظهيرة، لكم هو محظوظ كونه في عداد الأحياء، الجندي العائد في ليلة إعصار، مقاربة الشخوص تفرز كمّا من العصارات السياسية، عطفا على نسج (يوسف خياط) تظل شخصية وزير الدفاع السابق الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين هي الأوفر حظوظا في الميديا وقتما شُدت خاصرة الوطن بالأحداث الساخنة، ذلك الرجل البسيط في لغته وهندامه تثير حركته جلبة غير معهودة، تماماً منذ أن كان وزيرا لرئاسة الجمهورية ومرورا بتقلده منصب وزير الداخلية وانتهاء بقيادته لفيالق الجيش وحتى رست به التصاريف في ولاية الخرطوم، المفارقة أن بصات الوالي تحولت بين يوم وليلة إلى بصات عبد الرحيم، ذات التركة تنتظره مع إعصار من التحديات التي لا تنتهي، ولعلها المفاجأة الوحيدة التي لم يتوقعها الشارع أن يخلع عبد الرحيم بزته الزرقاء المائلة للون الرمادي ويرتدي جلباب المؤتمر الوطني.

(بالتريننق) و(الفنيلة)

ليلة ضربة (اليرموك) ظهر عبد الرحيم على مقربة من الحريق وهو يرتدي (تريننق) (وفانيلة) يتفقد المصنع المشتعل، ولم يبارح المكان حتى صلى الصبح في الموقع دون تردد، عبد الرحيم لزم الصمت تماما وقرر الامتناع عن الحديث لوسائل الإعلام التي تكاثرت كالزعانف وقتها مع مطالبات بإخضاعه للمحاسبة البرلمانية، صمت الرجل المفاجئ مزج بتصريحات سابقة في أحداث مشابهة لم يحالفها الصواب، كدأبها لا تنصرف المدينة في الثرثرة، ولا تغرق في مركب الدعاية المطلقة، الأصوات التي تدافع عن عبد الرحيم من الداخل ومن الخارج لا تحصى عددا، المباني الشاهقة التي تليق بالقوات المسلحة تماما، والعقيدة الوطنية التي لا تنفد مقرونة بالتسليح المتطور حتى أصبح الجيش السوداني ثالث قوة في أفريقيا، تلك الحقائق لم تبارح مخيلة أنصار الرجل، الدعامة الأساسية في حضوره الدائم تتمثل في كونه أكثر الرجال إخلاصا لقادته، عبد الرحيم قبل أن يصبح وزيرا للدفاع هو نموذج للعسكري المتفاني، علاقته بالرئيس البشير تنبع من تلك الصفات النادرة، وذلك لم يذهب بعيداً في سباق الولايات، إذن الصداقة وزمالة (الكاكي) ليست وحدها، ومما يروى على ذلك النسق أن امرأة ذكرت للرئيس البشير أنها رأته في المنام وهو يحمل راية النصر ويطوي البلاد عرضا وطولا، فقال لها الرئيس بطريقة عفوية وساخرة “لو عبد الرحيم ما معاي يبقى ده ما أنا”.

حملة إسفيرية

موجة أخرى تدفع باتجاه مغاير، مواقع التواصل الاجتماعي هي مسارح عمليات نوعية وقذائفها تخطئ وتصيب في بعض الأحيان، وقد كان للنفس الاحتجاجي صوت بارز طفت على إثره حملة مضادة عرفت (بالحملة الشعبية لإقالة عبد الرحيم) قبل سنوات، الحملة بالرغم من أنها لم تحصد القدر المؤمل من (اللايكات) إلا أنها بدأت تعبر عن نفسها بقوة، رسومات (الكاريكاتير) ومقاطع الكوميديا لم تكن غائبة عن موجة السخرية من مجمل العبارات التي أطلقها الرجل بشكل عفوي عرف به دون الآخرين قضى على رصيد الغموض الذي يميز الساسة في العادة. ما بعد (هجليج) كاد صوت التيار المنهاض للرجل يبلغ مرماه، إلا أن الرياح جاءت بما لا يشتهون، فقد استعادت القوات المسلحة وقوات الأمن مدينة (هجليج) من فك الأعداء وارتفعت رايات النصر وفهم الكثيرون إشارت الرئيس البشير عندما وجه عبد الرحيم بالدخول إلى (كاودا) قبل موسم الخريف، ليس ثمة ما يدعو للاستغراب فالغلبة دائما كانت للقوات المسلحة في معاركها مع الجيش الشعبي والحركات المسلحة، ومع تصاعد المواجهات خفتت حدة المطالبة بإقالته واستقر الرأي على طلب المحاسبة فقط، الذي خفت هو الآخر، يرجع بعض المحللين ذلك إلى قوة شخصية عبد الرحيم وسعيه لتحقيق مراميه وإستراتيجيته التي تنزع نحو التطور، يتلاحم الطموح مع تحديه للمحكمة الجنائية التي ألحقت اسمه في الكشوفات المنسية التي كادت تحترق بعد أن أطفأتها الحكومة بقليل من الصبر وكثير من الحكمة، فضلا عن ذلك ترنو حقيقة أن عبد الرحيم «جندي» شديد الإخلاص لـ«ثورة الإنقاذ» ومشروعها، كما وصف نفسه في خطاب استقالته من وزارة الداخلية منتصف يونيو 2005.

ابن كرمة

الفريق أول مهندس عبدالرحيم محمد حسين أحد ركائز النظام منذ بدايته في يونيو عام 1989، وبالرغم من أنه لم يعرف ضمن أعضاء مجلس قيادة الثورة، ولكنه لعب دورا مهما في ترسيخ الإنقاذ وهو أحد الجنود المجهولين الذين سهروا على تأمينها. ولد عبد الرحيم محمد حسين ونشأ بدنقلا بمنطقة كرمة البلد وتلقى تعليمه حتى المرحلة الثانوية، يقول عنه أصدقاؤه إنه كان يمارس كرة القدم بفريق الداخليات آنذاك، وعمل بالتعليم والزراعة لبعض الوقت ثم التحق بشركة للحديد والصلب، وأكمل تعليمه حتى صار مهندساً بسلاح الطيران، كان أيام (الدبابير) الأولى يقطن مع (نسابته) في (حي الامتداد) بالصحافة قبل أن ينتقل إلى (حي النزهة)، في ذلك الوقت كانت لديه سيارة (أوبل) ينهب بها الطريق نهبا، ويقودها بنفسه وهي العادة التي لم ينفك من أسرها، عرف عن «عبدالرحيم» حرصه على ارتداء العدسة الزرقاء باستمرار، وحصل على عدد من الألقاب، بعضها يطلقها عليه خصومه على سبيل التندر، وبعضها عرف به على سبيل العُرف مثل «أبوعصاية» لأنه لا يترك العصا من يده منذ أن كان ضابطاً صغيراً. يشتهر عنه أيضاً كرهه للمكيفات فهو لا يشرب القهوة والشاي، تزوج بامرأتين من أقربائه ولديه 5 بنات و3 أولاد أطلق على أحدهم اسم «عمر البشير»، فضلا عن ذلك فهو يكثر من الصيام يومي الخميس والاثنين.

قريبا من الأضواء

الآن يعود عبد الرحيم للأضواء الخرطومية، والياً بقوة دفع عسكرية، فهو لم يظهر في مسرح المؤتمر الوطني من قبل، لكنه الآن رئيس للحزب بالولاية، الكثيرون يتفاءلون بوجوده، تنمو مع ذلك التفاؤل مخاوف ورجاءات متصلة، وقد عبّر عدد من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي عن رضاهم وتفاؤلهم بتسنمه مقود الولاية الأخطر، التفاؤل منبعه أن عبد الرحيم مهندس وعسكري مقرب من الرئيس مما يمنحه صلاحيات واسعة لتغيير وجه العاصمة السودانية بشكل أفضل من سلفه، فضلاً عن ذلك فإن أدواره المرتقبة ترتفع بمقدار عمر رفاقه في المواقع القيادية التي يشاركهم العمل فيها، طموحاته في الرئاسة لا أثر لها، صراعاته مع تيارات في الوطني لا تخفى وقد تجلت أكثر إبان اتفاق نافع عقار الذي رفضه الجيش وكان عبد الرحيم في مقدمة الرافضين، شواهد أخرى رواها عبد الغني أحمد إدريس في كتابه ذائع الصيت (الإسلاميون أزمة الرؤية والقيادة) منها أنه في ذلك الأسبوع الثالث من شهر أبريل تحطمت أربع مروحيات للجيش، وعندما حاول صلاح قوش الطعن في كفاءة عبد الرحيم على مرأى من القيادات جاءه الرد من قيادي نافذ جدا (إن عبد الرحيم من أفضل الناس وإنه يحبك ولا يذكرك إلا بالخير، فلماذا الوشاية به؟) ومع ذلك نستطيع القول إن عبد الرحيم على بساطته ومروءته فهو شخصية مثيرة للجدل يدخل ربما بقدرات مخبوءة مرحلة العمل الجماهيري فماذا هو فاعل؟

 

 

اليوم التالي

 


‫12 تعليقات

  1. ماقدمة عبدالرحيم محمد حسين للقوات المسلحة كان انموذجا رائعاَ وفريداً

  2. عليه ان يتذكر ان مسؤولية هذه الامة على عاتقه وانه مسؤول عنها يوم القيامة وان يتذكر دوما ان هذا الامر تكليف وليس تشريف وعليه ان يبدأ بالفاسدين لان الخرطوم اغلب مسؤوليها صاروا فاسدين ولا يقدرون المسؤوليه وخدمت المواطن صارت بالرشوة والمحسوبيه لذا نرجو منه ان يقضى على كل ذلك ونحن صابرون معه ولسنا مستعجلين لاننا ياما صبرنا وصبرنا ونرجو منه الاصلاح نا استطاع .

  3. الحكاية تلميع منظم شوف الصورة زي بالزول الفي دعاية شاي الغزالتين وحتى المعلقين مرتزقة جايين يلمعو
    يا هؤلاء والله العظيم تلاتة صبيحة تعيينه كل المواطنين في الشوارع والمكاتب والمواصلات ضاربين اخماس في اسداس وشغالين لعن وسب ولا يقولون عبد الرحيم ولكن يستخدمون القابه التي تعبر عنه مثل اللمبي ووزير الدفاع بالنظر حتى المراهقين والاطفال الحكاية ما واقعة ليهم وحتى ربات المنازل من الاميات في الشارع ونستهن كالتالي
    -قالوا الوالي غيرو رفدو الخدر وجابو ليبدلو اللمبي
    -ووب علي يا يمة سجمنا ده العوير بتاع الدفااااع بالنظر
    -اياهو ابو ريالة قالوا صاحب البشير الروح بالروح قبال يبقى رئيس

    الخوف لو البشير مات او مرض يجينا ده رئيس

  4. يا المدعو عريس نحن نتكلم عن إنجازات شامقة ولا علاقة لنا بتلميع ونقبل النقد البناء لبناء دولة الحضارة عبد الرحيم مأمون حميدة أمثلة لقيادات جريئة في عمليات التغيير والمرتزقة بالمرصاد .

  5. يا مدعو خليك واعي دولة حضارة شنو في السموم ده
    انت يا زول عايش وين
    وعبد الرحيم ده ليو كم سنة من منصب لي منصب
    وينا دولة الحضارة
    كل واحد فيكم قريبه وزير او مسئول جاي يلمعه ولما يدخل داخل سيارته الفارهة قايل روحو في دولة الحضارة
    دي حضارة اليابان اخوي

  6. عليه ان يعلم ان سبب بقائه في السلطة هو قربه من البشير و انه لا يملك اي كفاءة أو انجاز يؤهله لأي وظيفة سوى الوظيفة التي خلق لها و هي صيانة اطارات الطائرات الحربية و هو يعلم ذلك تماما”.
    ليت عندك بقية من كرامة و تقدم استقالتك و لكن لا أعتقد ذلك ….

  7. شوف يا عريس الهنا انا أتحدث عن دولة الحضارة المنشودة والوضع الآن ملئ بالفشل لكن العدل مطلوب ما زلت أكرر ما هي ماخذك على الرجل نحتاج حوار هادف بلا سموم بلا كلام فارغ