مزمل ابو القاسم

كرتي وغندور


* برغم كل الانتقادات التي وجهها إليه معارضوه، ومن دمغوه بتجاوز تقاليد العمل الدبلوماسي، إلا أننا نرى أن الأستاذ علي كرتي خرج من وزارة الخارجية مرفوع الرأس، بعد أن أبلى فيها أحسن البلاء.
* غادر كرتي بيت الخارجية (متعففاً من الانتقال إلى منصبٍ آخر)، بعد أن أفلح في ترميم علاقة السودان مع أشقائه الخليجيين، ورتق الفتق المتسع مع المصريين، وحفظ حبل الود مع الليبيين والتشاديين، ودعم علاقة السودان مع محيطه الأفريقي عموماً، وأفلح في إقناع الاتحاد الأفريقي بدعم السودان في ملفات كبيرة ومهمة.
* فوق ذلك أفلح وزير الخارجية السابق في إزالة بعض الجليد المتراكم في ملف العلاقة مع الأمريكان، وختم عهده ببوادر انفراج في علاقة سادتها الجفوة، وحفتها المقاطعة، وسورتها العقوبات، منذ عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، لتظهر في خواتيم عهد كرتي بوادر انفراج، نتمنى لها أن تستمر في عهد خلفه غندور.
* بدا صوت كرتي نشازاً وسط المعزوفة الحكومية لوقتٍ طويل، برفضه القاطع لزيارات السفن الحربية الإيرانية، ومجاهرته بعدم خصوصية العلاقة مع إيران، وتمسكه بحبال المودة مع الخليجيين، حتى أفلح في إعادة الدفء لعلاقةٍ سادها الفتور سنين عدداً.
* قد يقول قائل إن الظروف خدمت كرتي، وإنه لم يلعب دوراً يذكر في إحياء جذور العلاقة المهترئة مع المحيط العربي، لأن عودة الصلات إلى طبيعتها تمت بعد قرار مشاركة السودان في عاصفة الحزم، لكن الأكيد الذي لا خلاف عليه أن كرتي بذل جهداً مقدراً، وسعى بكل ما أوتي من قوة للإبقاء على شعرة معاوية مع الأشقاء العرب في أشد لحظات التوتر والريبة، حتى عادت المياه إلى مجاريها مؤخراً.
* لا يمكن النظر إلى التطورات الإيجابية التي طرأت على علاقة السودان بمحيطه الإقليمي والدولي بمعزل عن الأداء المتميز لوزارة الخارجية، في عهد وزيرها (الهادئ الصبور المهذب) علي كرتي.
* تعرض الوزير السابق لحملات انتقادٍ موجعةٍ، وتم اتهامه بالتقصير، وتحميله مسؤولية الضمور الذي أصاب علاقات السودان مع محيطه العربي، برغم علم الجميع بأن التقاطعات التي خلفتها ثورات الربيع العربي أثرت على كل أوجه الحياة في المنطقة، وصنعت تحالفات جديدة، شابها توتر شديد، واستقطاب حاد، وكان من الطبيعي أن يتأثر السودان بها مثل غيره، ويدفع جانباً من فاتورتها المكلفة.
* أداء كرتي أتى نموذجياً في أصعب الأوقات وأحلك الظروف، لذلك نعتقد أن من حقه عليها أن نقول له أحسنت (وما قصرت)، ونشد على يده مهنئين قبل الوداع، ونعتقد أن اختيار غندور لخلافته شكَّل قراراً موفقاً، لأن الأخير يمتلك كل المقومات المطلوب توافرها في وزير الخارجية الناجح، بهدوئه وشخصيته المنفتحة، وعلمه الغزير، وطلاقة لسانه، ونصاعة حجته، وسعة أفقه، ورحابة صدره، وإجادته لفن الحوار.
* شكراً كرتي.. وغندور خير خلف لخير سلف.
(صحيفة اليوم التالي)