مقالات متنوعة

أحمد يوسف التاي : منشار الوزير


أشرت أمس إلى أن وزراء الحكومة الجدد بشروا الشعب السوداني بالإصلاح الاقتصادي والرخاء ومحاربة الفقر وتوفير (قفة الملاح)… صحيح أن هذه كلها قضايا مهمة وملحة، ولكن الألح منها هو العمل على وجه السرعة والجدية على تنفيذ توجيهات الرئيس بمحاربة الفساد وتقوية المؤسسات العدلية وتحصينها من أية تأثيرات أو نفوذ يتسلل إلى داخلها، وإزالة كل العقبات والمتاريس التي تعوق سير العدالة..
قبل عامين قالت وزارة العدل إنها تسلمت (1000) شكوى من المواطنين ضد أجهزة الدولة خلال العام الحالي – تقصد 2013 – وقالت إن معظم هذه الشكاوى كانت ضد جهات رسمية من بينها مصلحة الأراضي… هذا هو مضمون خبر حفلت به صحف الخرطوم غداة ذلك اليوم الذي قالت فيه وزارة العدل إنها (تسلمت)… وزارة العدل في ذلك اليوم بدت وكأنها تباهي بأنها تسلمت من المواطنين العاديين شكاوى ضد أجهزة الدولة الرسمية ومسؤوليها وموظفيها وكأنها تقيم الحجة على الذين يزعمون، وبدا لي وقتها وكأن وزارة العدل تريد أن تبعث برسالة مفادها: أن الدولة تقيم العدل كما ينبغي وأن الطريق ممهد لأي شكوى ضد (أجعص جعيص) حتى في مواجهة أجهزتها التي هي بمثابة قلاع محصنة..!!
لكن نسأل سؤالاً واحداً فقط كم من هذه الألف شكوى أخذ طريقه إلى المحاكم، ومَن مِن المواطنين وجد الطريق سالكاً في مسيرة إجراءات رفع الحصانة لمقاضاة مسؤولي الحكومة وأجهزتها؟ العبرة ليست في (كم) شكوى تلقتها الوزارة بشأن الانتهاكات والمظالم والسيئات التي تقترفها أيدي بعض منسوبي أجهزة الدولة بشكل يومي وبدون مبالاة، هذه قصص محزنة وتراجيديا مؤلمة عايشها الناس (24) عاماً وأصبحت جزءاً من واقعهم البائس كما قلنا ذلك من قبل.. أن تتلقى الوزارة أو أي جهة مختصة عددًا مهولاً من الشكاوى، هذه ليست جوهر القضية، ولكن المهم هو (كم) شكوى وصلت المحاكم وفصلت فيها؟ وهل اقتصت للمواطن المسحوق بما يرضي الله والمواطن المضطهد؟ وهل أقامت الدولة العدل على النحو المطلوب وبدون أية ظلال سياسية؟ ومن هم المسؤولون والمنسوبون لأجهزة الدولة الذين اقتصت منهم الوزارة لصالح مواطن غلبان بلا سند ولا ظهر؟ إذا حدث ذلك حينها حُق لوزارة العدل أن تتباهى وتفتخر وتقول فعلت كذا وكذا، وتقول أنا فعلت كذا واقتصصت من أجهزة الدولة لصالح المواطن الأشعث الأغبر، وقتها سنحترم دولتنا وكل مؤسساتها، إذا قام مواطن متظلم من مسؤول (مُحصَّن) بتقديم شكوى لوزارة العدل فهل هذا أمر يحسب للوزارة ؟ بالله أحسن ما يقدم أي شكوى..!!!
وأعتقد أن متاريس الحصانات وصعوبة إجراءات رفعها عند التقاضي هي السبب الرئيس الذي يجعل الوزارة تفتخر وتتباهى فقط بتقديم المواطنين العاديين شكاوى دون الحديث عن البت والفصل فيها… هذه العقدة نضعها بكل احترام أمام منشار وزير العدل الجديد… اللهم هذا قسمي فيما أملك..