تحقيقات وتقارير

“فقيرا للحلفاء” بعد 17 شهرا من الانتظار على طاولة حوار يتيمة يقول “الشعبي” إن صبره “نفد”.. لكن هل بوسعه الصمود أمام ضربات الحكومة ومعارضيها في ذات الوقت


لولا غياب الترابي المتعمد عن مراسم تنصيب البشير لما اشتغل أحد بالتهديد الذي أرسله كمال عمر قبل يومين لإخوانه في الشق السلطوي من حركتهم الإسلامية المبعثرة بأن صبرهم على الحوار الوطني قد “نفد”. فغياب الشيخ الثمانيني عن مراسم الولاية الجديدة كان سيكون اعتياديا لولا أنه أربك الساحة السياسية مطلع العام الماضي بقبوله على نحو صادم لقطاع كبير من أنصاره دعوة الحوار الرئاسية التي اعتزلتها غالبية فصائل المعارضة منهيا بذلك 15 عاما من القطيعة التي تجلت سجنا وعزلا بل وحربا مسلحة.

فالترابي الذي لم يغب عن أي دعوة وجهت له من تلامذته القدامى خلال 17 شهرا قرضتها آلية الحوار الوطني لا يمكن القول – على الأقل بعد تهديدات كمال عمر – إن غيابه عن مراسم تنصيب البشير مستمد فقط من مقاطعة حزبه للعملية الانتخابية وعدم اعترافه ضمنا بنتائجها وشرعية الأجهزة التي شكلتها.

وفي أكثر من مناسبة استعصم عراب الإنقاذ في عشريتها الأولى وسجينها الألد في العشرية الثانية بملامح صفح عيسوي وهم يصافح أهل النظام بمقر البرلمان الذي أبعد منه بيدٍ غليظة، وغازلهم في مؤتمر حزبهم الحاكم الذي طرد منه بعد أن خيل له أنه وضع آخر لبنة في عرش الزعامة المطلقة والأهم من ذاك أنه زار الرئيس في مقر إقامته وهو الذي كان متهما بالأساس بأنه يروم الإقامة الدائمة في المقر الرئاسي وبحراسة الجيش قبل حراسة أنصاره الملتحين.

أيامها كان الاعتقاد السائد أن دوافع التقارب بين شقي الحركة الإسلامية هو الهجمة الإقليمية الشرسة التي يتعرض لها الإسلاميون في المنطقة في أعقاب إطاحة إخوان مصر من السلطة وصولا لتصنيفهم كمجموعات إرهابية من عواصم خليجية ساندت القاهرة في دحرهم.

لكن هذه الفرضية نسفتها أو على الأقل هزتها تحولات السياسة الخارجية التي جعلت من الخرطوم حليف محوري للرياض والقاهرة بعد خصام كان يغذيه أيضا التقارب مع طهران والذي أسس له الشيخ الذي يقول خصومه إنه كان يكافح لصك نسخة سنية من “ولاية الفقيه”.

وشاع لاحقا أن الخصمين توافقا سرا على محاصصة سلطوية ستجد حظها من التنفيذ لدى التشكيل الوزاري المتمخض عن الانتخابات رغم مقاطعة الشعبي “التمويهية” لها، وهو ما لم يحدث عندما أعلنت الحكومة مطلع هذا الأسبوع لتنتهي بذلك آخر شائعة من الشائعات التي تلاوي لإيجاد تفسير لما أطلق عليه كثيرون “مصالحة إسلامية” موازية للمصالحة الوطنية.

ورغم دفاع المؤتمر الشعبي المستميت عن موقفه التصالحي مع النظام وقدرته عند كل انتكاسة على استنباط مبرر للاستمرار في عملية الحوار المتطاولة بما في ذلك “العجز عن إسقاط النظام” الذي أشار إليه الترابي قبل أشهر عندما كان يتحدث في ندوة نظمتها نقابة المحامين التي يهيمن عليها حزب الحكومة، إلا أنه بعد مرور 17 شهرا على خطاب “الوثبة” الرئاسي لن يكون في وسعه التمادي في الدفاع عن عملية لا وجود لها إلا في نشرات الأخبار التي تنقلها من مسؤولي حزبه لا مسؤولي الحزب الذي بادر بها.

والحال كذلك فإن تصريح كمال عمر المسؤول السياسي للحزب وممثله في آلية الحوار التي لا يتذكر أحد متى عقدت آخر اجتماعاتها وبأي أجندة يهدف بالأساس لدفع الحرج عن حزبه مقابل تهديد الحزب الحاكم لكن الخطوة التالية والطبيعية بعد هذا النوع من التهديد ستكون الأكثر إحراجا للشعبي والأكثر كلفة، لأن مغادرته لطاولة الحوار اليتيمة ستقذف به إلى الشارع دون خطاب سياسي يماسك عضويته المتذمرة ناهيك عن حشد الشارع والأسوأ أنه لن يكون فقيرا للحلفاء فحسب بل يتعين عليه الصمود أمام ضربات الحكومة ومعارضيها في ذات الوقت!

محمد الخاتم
صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد