عبد الجليل سليمان

العود أعوج


للقاضي (عبد الجبار المعتزلي) مقولة تستحق التأمل، يقول: “ليست الكثرة من أمارات الحق، ولا القلة من علامات الباطل”.
فإذا كانت الوزارة الموسومة بالجديدة، بحسب (الصحف والمؤتمر الوطني، والحسن الميرغني)، التي هي في واقع الأمر (قديمة جداً) في شكلها ومضمونها، فالوجوه هي ذات الوجوه، تأخر أحدهم وتقدّم الآخر، جُمِّد نشاط هذه وفُعِّل ذاك. في ما يجمع بين هذا المزيج (الهارج) قاسم مشترك واحد، وهو (غياب البرنامج)، غياب الخطة التي يراد تنفيذها في المرحلة القادمة، فحتى الـ (180) يوماً التي أعلن عنها في وقت سابق (محمد الحسن الميرغني)، تظل محض هرطقة وعنوان مثير ليس تحته أي (نص)، وإنما (سطور فاضية) مساحة بيضاء وفراغ كبير، ليس مكتوباً فيه حرفاً أو رقماً واحداً.
وفي ظل هذه (الغيابات) الكثيفة لكل شيء، يجد كثيرون أنفسهم منخرطين في (الحاضر) الوحيد، في الثرثرة والتصريحات المرفقة بـ (عنتريات) احياناً وبلغة ناعمة/ دبلوماسية، مرات قليلة، بحسب مقتضى الحال من ظروف موضوعية محيطة آن إطلاق الألسنة والألسنة المضادة.
وهكذا فإن كثيراً ما يُصور المأزق الراهن على أنه رهين حل فردي متصل بفلان وفلان، ويتبدى هذا جلياً في الحنين الجارف لبعض منسوبي الحزب الحاكم لـ (علي عثمان ونافع)، فيتصوروا أن نهاية حزبهم أزفت بخروجهما عن دوائر الفعل التنظيمي والتنفيذي، فيما الواقع يقول – دونما إنكار لتأثيرهما سلباً أم إيجاباً – إن المؤتمر الوطني استمر حاكماً للبلاد حتى بعد إقصائه لعرابه الأكبر (حسن الترابي) وشتان بين تأثير (علي ونافع) وتأثير الشيخ.
بطبيعة الحال، فإن هذا التصور لا يبدو عبثياً ومتوهماً فحسب، بل يبدو ارتجالياً أيضاً، وهو كذلك لا شك، لكنه من ناحية أخرى يبدو منطقياً في ما لو قرأناه في سياقه العام، من غياب للممارسة الديمقراطية الرشيدة في مستوياتها كلها، خاصة على مستوى الداخل الحزبي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أحزاب المعارضة ليست أفضل حالاً عن الحزب الحاكم وموالاته في هذا الإطار.
ناتج هذا، هو تلك القطيعة الماثلة أمامنا، بين الشعب والحكومة من جهة، وبين الشعب والأحزاب السياسية الأخرى (معارضة أو موالية) من جهة أخرى. ولن ننسى هنا (المجتمع المدني) الذي لن نماري، إذ قلنا بضعفه وطراوة عوده ومحدودية فاعليته.
وبالتالي، فإن تكالب الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني على الدولة، وهم على هذا النحو من الهشاشة، يبدو أحايين كثيرة وكأنه عدوان عليها أو على الأقل إعاقة ديناميكيتها الذاتية في التطور إلى الحداثة والرفاهية.
والحال كذلك، وفيما صعدنا قليلاً لننجز (النظر) ونستغرق في تفاصيل المشهد نجده يتذرع بما يُسميه الأكثرية، حزبية أو برلمانية أو جهوية أو إثنية، فيما هي في واقع الأمر محض أكثرية عمودية وليست أفقية إلى حد أنها أصبحت (ثابتة وغير متحولة)، لذا آل مفهوم (الأكثرية) على مستوى (السلطة) إلى ديكتوريات، وعلى مستوى المجمتع إلى عصبيات إثنية أو جماعات وطوائف دينية.