مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : زعازع المشرق و«موازين» المغرب


يغالبني الظن أحيانا في أن هذه الرقعة من العالم المحددة للوطن العربي، وبالرغم من اجتهادات العولمة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، لا زالت تنفعل مع معطيات هذه العولمة كصنعة غربية، دون الوصول إلى مفهومها الحقيقي وهي تأثير الثقافات والحضارات والاقتصاد والسياسة على بعضها بعضا في كل ركن من أركان المعمورة.
يتعامل الوطن العربي مع العالم ككتلة واحدة ولكن عندما يجيء أمر التعاطي مع قضايا داخلية تجد كلا يغني على ليلاه فرحا أم ترحا.
هذه الظاهرة وصلت إلى نوع من التكرار الممل، لدرجة العادية، ولكن أحيانا تكون تفاصيلها فوق الاحتمال.
في هذه الأيام، بينما يشتعل المشرق العربي بحرب سوريا واليمن وفظاعات داعش في العراق وتمددها إلى أجزاء عدة، ينشغل المغرب العربي بمشاهدة وصلات المغنية الأمريكية جنيفر لوبيز على مسرح مهرجان موازين المقام هناك هذه الأيام.
وليت الأمر انتهى بنزول لوبيز من على خشبة المسرح ليرجع كل إلى ما يجري هنا، ولكن واصل المشاهدون الذين يمثلون أغلب الدول العربية، الجدل الساخن بشأن عرض لوبيز.
وانقسم ممثلو ما يمكن تسميتهم مندوبي جامعة الدول العربية وممن يعتبرون أنفسهم حراسا للإبداع بأشكاله المختلفة إلى فئتين.
فئة غالبة وهي مع هذا العرض، بينما تنتقد منع الرقابة المغربية الترخيص والسماح بعرض فيلم تم تصنيفه ضمن أفلام الإثارة، وتحتج على أن المنع جاء انتقائيا وفضل الغريب على القريب.
أما الفئة القليلة فهي ترفض العرضين على أساس أخلاقي ولكن لا تعير مناظر الدماء وزعازع المشرق العربي انتباها.
هذا الموضوع يفتح نافذة أخرى يسمع من خلالها علو أصوات منتجي أعمال فنية كهذا الفيلم ويحتجون إذا ما تم انتقادهم مطالبين بالنقد البناء الذي يعني في عرفهم المدح الموارب، وألا يقفوا في وجه إبداعهم.
ومثل الحال ينطبق على الأغنيات الرخيصة وعالم الرواية.
وهذا الأخير ما زال يتبع قوانين القرون الأولى في المنافسة على الرواية الفائزة، وما فتئ هذا الأمر يثير كثيرا من النقاش عقب فوز كل رواية عربية بجائزة على أساس هتكها للتابوهات.
الخلط بين الإبداع والتفاهة، في تجاوز كل الحدود الأخلاقية المعروفة، لا يعيد حقا ضائعا.
والرفع من الإنتاج المنافي للأخلاق يسود وجوه المجتمعات، حتى لو لم تكن هناك أزمات مثل التي يعايشها الوطن العربي.
هذا النزوع إلى التحرر الزائد يدعم من الاتجاه الرافض لكل القيم والضوابط.
وقد عاشت دول الربيع العربي الفوضى التي خلفت الثورات ولم تسفر عن ديمقراطيات حقيقية، وذلك لأن الديموقراطية نفسها لديها شروط وضوابط، والحرية ليست هي التحرر بالمعنى المكثف للكلمة.
هذه هي أصوات يتكئ أصحابها على التحرر في كل شيء ومن كل شيء، حتى تلك الحرية التي تصل إلى الحد الذي يتم فيه مصادرة حريات الآخرين.
والتعدي على حريات الآخرين هنا يتم من خلال فرض نوع معين من الإنتاج الأدبي أو الفني مما يتنافى مع قيم المجتمع، وبعد كل ذلك تشتكي المجتمعات العربية من ظواهر مستشرية تسميها دخيلة.
وبالرجوع إلى الحالة العامة، فإنه ليس من باب الحكمة فرض حالة حداد في الدول العربية كلها بسبب نزاعات في جزء منها، فأحيانا تكون في الوطن الواحد فعاليتان متناقضتان لا تراعي أي منهما مشاعر الأخرى، وأحيانا يتم ذلك في حدود الحي الواحد.
فهذه المشاعر الإنسانية أصبحت ضربا من الماضي، ولكن أن يتم كل ذلك ولا يزال الناس يتحدثون عن الوحدة العربية والتكامل العربي في الفعاليات الرسمية، فيجب أن يتم النظر إلى مثل هذه الشعارات كأحد أنواع التسويق السياسي ليس إلا.