سعد الدين إبراهيم

إنسان سوداني رائع


قال لي صديقي الفنان المغني وهو في ظهيرة أمام تجمع طبي.. مأهول بالمنتظرين من مرضى ومرافقين ومعاونين.. وأصحاب مصالح من باعة ومقدمو خدمات مياه وغيرها.. الحرارة لافحة.. العرق يسيل على الجباه والخدود والرقاب.. بعض المؤسسات قطعوا عنها الكهرباء فعلاً صوت الجنريتر يشكل ضجيجاً على السمع.. في مثل هذا الجو المشحون بالتوتر والضجر والقرف .. في هذا الجو الحار الذي يجعل كل فرد “شايل أخلاقو في نخرتو” .. أذن الأذان لصلاة الظهر.. فانطلق الناس يحملون الأباريق ويبحثون عن مصادر مياه ليتوضأوا للصلاة.. علت سكينة سمحة وجوههم.. انطلقوا في حماس تناسوا الجو وسخونته والعنت وأسبابه.. هنا أخذ صديقي الفنان المغني يدعو الله سبحانه وتعالى اللهم هؤلاء أحبابك.. انطلقوا في محبة لأداء فريضتك تناسوا كل شيء إلا أن يخشعوا إليك في صلاة تقربهم إليك.. اللهم أرفع عنهم ما يقاسون.. اللهم أبدل معاناتهم.. وحقق لهم بعض السعادة.. اللهم انصرهم على من يستغلهم على أي وجه كان.. دعا بحرارة لهؤلاء البسطاء التعابى الذين سعوا في خشوع لأداء صلاتهم.
وهكذا أثرني دعاء صديقي في هذا الموقف لكنه نبهني إلى أن المواطن السوداني سرعان ما يتناسى كل شيء حتى الحرارة المقيتة.. والضنك والمعاناة فيسعى إلى عمل خير.. في ظهيرة مماثلة وكنت امتطي بص الوالي (القديم) وكان الناس يهرعون إلى الركوب ومن يظفر بمقعد يعتبر نفسه فائزاً بكنز ثمين.. سرعان ما امتلأ البص.. ركبت امرأة وطفلتها نهض لها شاب أربعيني يتصبب عرقاً رغم مكيفات البص ونهض الذي يجلس بجانبه لتجلس ابنتها الطفلة.. لكن المرأة أصرت أن تحمل طفلتها على حجرها ويجلس أحدهما.. ثم أخذا يتحالفان على الجلوس كل يحلف أن يجلس الآخر.. أخيراً جلس أحدهما خجلاً.. أيضاً تأملت هذا الموقف.. كيف ينسى الإنسان السوداني رهقه وتعبه وسخانة الجو .. ليكون خيراً.. ليؤدي صلاته في ميقاتها ليقف لامرأة في مركبة عامة.. ليتحامل على نفسه حتى يكون خيراً عندما أتأمل هذا أشعر بأنني انتمي إلى مجتمع عظيم.. رائع.. إنسانه عجيب.. لا يفكر كثيراً عندما يسعى إلى عمل خير.. يفعله كواجب.. لا ينظر إلى تعبه وإرهاقه.. ينسى نفسه.. ويسعى بكلياته ليؤدي واجبه.. حتى لو كان هذا الواجب فضلاً منه.. ولا أغضبن حين أرى آخر يطير بعربته الفارهة وهو يرى حوله زحام نساء وشيوخ وأطفال يقفون تحت الشمس السخنة ولا يفكر في أن يحمل أحدهم معه أعرف أن غيره سيفعل .. أو ربما ابنه يفعل خيراً في مكان ما.. صحيح إن شعبنا هذا الشعب السوداني.. هذا المواطن السوداني.. هو نموذج رائع للإنسان عموماً.. وإنه قادر على صنع حياة أجمل وعلى صنع مستقبل أفضل فقط ثمة من يكبله.. هنالك زعامات هي أصغر من هذا الشعب .. أقل من طموحه.. ليسوا مثله في إيثاره.. في حبه للخير.. في عطائه.. لكن وقر في ذهني إننا يمكن أن نقود العالم في يوم ما .. بصفتنا بشر أسوياء .. أنقيا.. نحب الخير لنا ولسوانا !!