عبد الجليل سليمان

جوقة العميان


لـ(تُركي الدَخِيلْ) وهو صحافي وكاتب سعودي، يرأس الآن مجلس إدارة قناة العربية خلفاً لمديرها السابق (عادل الطريفي) الذي تم تعيينه وزيراً للثقافة والإعلام بالسعودية، كتاب (فذ) مُعنون بـ(إنما نحنُ جوقة العميان)، يتناول حياة المكفوفين حيث يكون الخيال بديلًا عن الواقع, وبالتالي فإن (العميان) يظلون في مأمن من مشاهدة الرثاثات الجارية, فيكتفون بتخيل العالم بالطريقة التي يريدون، ثم تتناسل الحكايات المؤثرة وتتوالد، لكن في كل الأحوال يبدو العالم بالنسبة لهؤلاء أجمل وأروع مما هو عليه في الواقع.
وفي الواقع، فإن الدخيل اقتبس عنوان كتابه مباشرة من قصيدة نزار قباني الذائعة (ارم نظارتيك ما أنت أعمى)، والتي يقول بعضها: ” ضوءُ عينيكَ أم هما نجمتانِ/ كلهم لا يَرى وأنتَ تراني/ ضوءُ عينيكَ أم حوارُ المرايا/ أم هما طائران يحترقانِ/ ارمِ نظارتيكَ ما أنتَ أعمى إنما نحن جوقةُ العميانِ). إلى (سقطَ الفكرُ في النفاق السياسي وصار الأديبُ كالبهلوانِ). ولأن الحياة كلها قائمة على الاقتباس و(المقابسة)، فإن تركي يقتبس من (نزار) ويطوِّر على صعيدٍ آخر، ونحن نقتبس منهما لأغراضٍ أخرى ذات صلة بحياتنا ومعاشنا وتصوراتنا للواقع الذي يتلبسنا ونتلبسه.
وأهم (جوقة عُميان) في هذه البلاد هي بعض مفارز (الصحافة) التي ننشط فيها، فحين تقرأ بعض التقارير وجُل الأخبار تناوشك رغبة عارمة بزيارة طبيب عيون حاذق وبصير، فربما ناظراك إلى أفولٍ وشيك، فما تقرأه هنا لا تراه في الواقع، ثم تعرض فتسأل هذا وتستفسر من تلك، فيطمئن قلبك إنك لست وحيداً، فمن حولك مثل، كلكم (جوقة عميان).
الجوقة الأخرى هي (السياسية) إذ تطلق ألسنتها بخيالاتٍ تصل أحايين كثيرة حد (الشطح)، وما تصريح (أبوبكر عبد الرازق) الذي رفعته يومية (أول النهار) عنواناً لعددها الصادر أمس، إلاّ دليل على إن العزّة بالاثم ذهبت ببصيرة الرجل وكفت عنه بصره، حين ادّعى (أن الحركة الإسلامية السودانية نجحت في ما فشل فيه الصحابة). أمين الدائرة العدلية بحزب المؤتمر الشعبي – وهذه وظيفته الحزبية – قال: إن منهجهم في الحركة الإسلامية (رباني)، وفسَّر هذا بقوله (لا سني ولا شيعي).
خطر ببالي وأنا أعيد البصر كرات عديدة، متأملاً تصريحات الرجل، أنه ورهطه يعتزمون – في مقبل الأيام – تطوير شطحاتهم – إلى مراقٍ يصعب عليهم النزول من عليائها لاحقاً، فيدّعون النبوءة وربما الربوبية (والعياذ بالله). وإلاّ فما الذي يجعل حزبا سياسيا تم تجريبه في الحكم أو هامشه لعقودٍ طويلة، يظن أنه ظِل الله في أرضه، وأنه وجد ليحقق مشيئة الرب في الناس بأقدار أنجع مما حققه الصحابة (رضوان الله عليهم)، فيما الحقيقة تقول إن (الحركة الإسلامية) هي من قادت البلاد والعباد إلى التهلكة الراهنة. أليس هؤلاء جوقة (عميان) أيضاً؟


تعليق واحد

  1. (( (أبوبكر عبد الرازق) الذي رفعته يومية (أول النهار) عنواناً لعددها الصادر أمس، إلاّ دليل على إن العزّة بالاثم ذهبت ببصيرة الرجل وكفت عنه بصره، حين ادّعى (أن الحركة الإسلامية السودانية نجحت في ما فشل فيه الصحابة))…….لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الما بتلحقوا جدِعوا ، هذا إفتراء ، وفشخرة على الفاضي.