مزمل ابو القاسم

حالة تجمد


* يحكى أن الحاج عبد الرحمن شاخور (الأب الروحي لنادي المريخ)، رحمة الله عليه، عاش لحظات ترقّبٍ مزعجةً، بعد مباراة مهمة، أداها فريق المريخ خارج السودان في سبعينيات القرن الماضي، ولم تتوافر أي معلومة عن نتيجتها.
* آخر الليل عِيل اصطبار حاج شاخور، فنادى أحد أبنائه، وقال له: (يا ولد امشي شوف لينا إشاعة ننوم بيها)!
* بالمثل عاش السودانيون لحظاتٍ مليئةً بالترقب ليومين متتاليين، ناموا فيهما يتوسدون شائعاتٍ سوداء، ملأت الأسافير، وأخباراً متضاربة زحمت الهواتف الجوالة، بالحديث عن صدور حكم قضائي يحظر مغادرة البشير لجنوب أفريقيا، بطلب من المحكمة الجنائية الدولية.
* كالعادة سجلت وسائل الإعلام الرسمية (رسوباً) شنيعاً، وعجزت عن متابعة القضية، برغم أهميتها البالغة، وفشلت في توفير دقائق بثّ مباشر من مقر إقامة الرئيس في جنوب أفريقيا، مثلما أخفقت في إيراد أي تصريحٍ رسميٍ من موقع الحدث، لتدفع السودانيين إلى متابعة أخبار رئيسهم عبر قنوات (سكاي نيوز، والجزيرة، وبي بي سي، والعربية) وغيرها.
* استمرت فضائيات التجمُّد في بث برامجها (المملة) كأن شيئاً لم يكن، وجاء رد الفعل الحكومي متماهياً مع إيقاع فضائيات العصر الحجري، ووكالة الأنباء الرسمية السلحفائية.
* حتى وزارة الخارجية لم تتحرك لإلقاء الضوء على ملابسات الحدث المزعج إلا بعد الخامسة مساءً، أما وزارة الإعلام، التي تمثل لسان حال الدولة، فقد كان صمتها أفضل من حديثها، لأن وزيرها أدلى بتصريحٍ حوى معلوماتٍ مغلوطة، لإحدى الفضائيات المصرية، زعم فيه أن البشير غادر جنوب أفريقيا فعلياً، وحدث ذلك قبل يومٍ كامل من اللحظة التي حلقت فيها طائرة الرئيس فوق مدرج قاعدة (ووتركلوف) الجوية.
* عندما كان أهل السودان يتسقطون أخبار الحدث المقلق، بثت وكالة (سونا) خبراً عبر خدمة الرسائل القصيرة، تحدث عن تخفيض ساعات العمل في شهر رمضان المعظم!!
* تم بث الخبر المذكور بعد السادسة مساءً، قبل أن ترسل (سونا) خبراً آخر، حوى تعليقاً معمماً نسبته لوزير الخارجية، وأشار إلى أن ما يتردد عن مشاركة البشير في القمة الأفريقية (لا نصيب له من الصحة)!!
* استوقفتني العبارة، وسألت نفسي عن قيمتها الخبرية، لأن محاولة نفي الأمر برُمَّته كان عملاً غير مهني ويخلو من الحصافة، ولا يتناسب مع الأخبار المتداولة، والصور التي بثت من داخل المحكمة العليا في بريتوريا!
* ما حدث في اليومين الماضيين سيعيد تدوير الحديث القديم حول جدوى الإبقاء على وسائط حكومية ضعيفة، تكلف الدولة مليارات الجنيهات، وتعجز عن متابعة أي حدث مهم، لتبث أخباراً (بايتة)، وتقارير مملة يومياً.
* إما أن تعاد هيكلة تلك الوسائط بنهجٍ يمكنها من أداء مهمتها بكفاءة عالية واحترافية كاملة، أو يتم توفير ما ينفق عليها من مليارات.. وفضوها سيرة!