داليا الياس

يا عمر


بما أن سنوات الإقبال على الحياة والإحساس العارم بالمحبة تجاه كل الأشخاص والأشياء.. وفورة الحماس والأمل والطموح والرومانسية تعرف بـ(عمر الزهور).. إذن فبالمقابل يجب أن تعرف تلك المرحلة العمرية التي نفقد فيها إحساسنا بكل ما تقدم، ونركن لإحساس آخر مضاد بـ(عمر الذبول)! إذ أن كل النضار الذي يكسو مشاعرنا وأفكارنا لا يلبث أن يخبو، ونتحول لمجرد كائنات بائسة، مملة وغير مجدية.. مسكونة بالأسى والإحباط.. تنتظر دائما تصاريف القدر ولا تفكر في الابتكار أو العطاء .
هذا العمر تحديدا يعرف لدى النساء ب ـ سن اليأس ـ وهو الأوان الذي تبدأ فيه الهرمونات الأنثوية في التقاعد، فيرتبك الطمث أو ينقطع بحيث لا تصبح المرأة قادرة على الإنجاب فتعتقد ـ في مجتمعنا ـ أن صلاحيتها قد انتهت وتفقد تفاعلها مع الحياة في معظم الأحيان على عكس ما يحدث في العديد من المجتمعات المتحضرة التى يتعامل رجالها ونساؤها مع تقدم العمر أو بلوغ سن المعاش على أنه الفرصة الحقيقية للاستمتاع بكل شيء والتواصل الحميم مع الشريك فتجدهم يحرصون على الادخار طوال حياتهم المهنية واستقطاع مبلغ محدد يدرج تحت بند تلك المتعة، وينتظرون أنباء الخروج من الخدمة على أحر من الجمر ليبدأوا إنفاذ خططهم لتلك المرحلة بينما نتشبث نحن بوظائفنا ونجتهد فى تمديد فترتها ونتهيب الخروج للمعاش ونسعى لرفع سنه للحد الأقصى وكأنما يعنى بلوغ الستين نهاية الحياة رغم أننا لا نزال على قيدها!!
وبالعودة لبنات جنسي، فإن العديد من الرجال يشكون من إهمال زوجاتهم حال تقدمهن في العمر، بحيث يصبح الزوج خارج دائرة اهتمامهن وتستعيض عنه بالعناية بأبنائها بحجة أنهم قد شبوا عن الطوق ويجب أن تلتزم أمامهم بالوقار والعفة حسب رأيها فتمعن فى البعد عن والدهم و(تتغابى فيه العرفة) أمامهم وكثيرا ما تعمد لمعاملته بجفاء وتنفصل عنه في النوم والرفقة وكأنما انتهت صلاحية عقد زواجه منها.. في الوقت الذي من الطبيعي أن تزيد حاجة الإنسان للمؤانسة والمودة والرحمة والسكن بمرور السنوات وتراكمها على عمره واستقرار عواطفه وسكون عواصفه.
فما هو السر فى ذلك الذبول الذي يجتاح أغصاننا وأوراقنا وأزهارنا؟!
وهل يعود ذلك لأسلوب التربية الذي نشأنا عليه وفرضه علينا المجتمع؟
لماذا نمارس حياتنا النبيلة في الخفاء ونحترز من إظهار الحب؟.. وكيف يمكن أن نحمي أبناءنا من الانحراف والكذب والإجرام في الخفاء ونحن لم نقدم لهم النموذج المثالي للحياة الزوجية الناجحة العامرة بالإلفة والاحترام والعاطفة؟
لماذا نعمد لخنق أيامنا وإرغامها على الذبول والحياة كلها مقبلة علينا؟
راودتني هذه الأفكار وأنا أعبر ذكرى ميلادي.. وقد لا يتبقى في العمر مثل ما مضى.. فقد هرمت.. وأعترف بذلك وأشعر به فى كل تفاصيل حياتي وأحوالي النفسية والصحية.. ولهذا قرر عقلي الباطن أن يواسيني ربما بهذه الكلمات.. فعساني ألتزم بها ونحيا جميعاً حياةً راضية.. سلسة .. بسيطة.. في تمام التصالح مع ذواتنا وأقدارنا.. وكل سنة وأنا وإنتو طيبين..
تلويح:
الحنين البيا ليه ماقدروا.. العمر من وين بيشترو؟!!