مصطفى أبو العزائم

إنه الياس الأمين وأولئك أهله


أمسية محضورة تلك التي تم فيها تأبين الأخ الكريم الراحل المقيم الأستاذ الياس الأمين عبد المحمود المدير التنفيذي لاتحاد أصحاب العمل السوداني، بحدائق الاتحاد في شارع أفريقيا، وقد شهدها بالاثنين نفر كريم هم بلا شك أهله وأصدقاؤه.
عضوية الاتحاد كلهم أهله لأنه كان أماً أباً أو أخاً أو أبناً لأي منهم، عرفوه واحبوه مثلما أحبه كل من عرفه من قبل..
وقفت متحدثاً نيابة عن أصدقائه، فقلت إنني ورغم ثقل الفقد وفداحة الرحيل الأبدي، إلا أنني أشعر بسعادة – نعم – سعادة حقيقية لأن الاحساس الذي انتابني وإنتاب أبناءه وأهله وأصدقاءه، هو إحساس بأن الرجل مازال بيننا، بذات الطلاقة وذات الإنشراح والروح التي لا تعرف اليأس ولا القنوط ولا التعنت ولا الغضب.. وقلت إنني أشهد على أنه وطوال معرفتي بالراحل المقيم منذ العام 1980م وكنت وقتها محرراً برلمانياً أغطي وأتابع أعمال مجلس الشعب في صحيفة (الأيام) الغراء على عهد حكم الرئيس الأسبق جعفر محمد النميري، طوال فترة هذه العلاقة الممتدة حتى يوم رحيله، لم أره متجهماً أو عابساً أو غاضباً..
كان مايوياً صارخاً ومشجعاً لفريق الهلال لا يقبل فيه كلمة سوء، ولم يكن موقفه السياسي ليقف بينه وبين الآخرين الذين يخالفونه الرأي، كنت عندما أنتقد له النظام ورئيسه قبيل الانتفاضة التي أطاحت به في أبريل من العام 1986م، لم يكن يغضب بل كان يسخر مما أقول، ويرد عليّ: (..تعرف لو ما شيوعيتك دي، كان ممكن تكون أحسن زول).. وكان كل من يعادي النظام المايوي أو ينتقده في نظر الصديق الراحل الياس الأمين هو (شيوعي) حتى وإن كان إماماً أو شيخ خلوة يدرس القرآن.. (!).
الياس الأمين عبد المحمود حفيد الشيخ خوجلي، ما كان لأحد مهما كان أن يلم بكل جوانب شخصيته الحية الخيّرة، وقد ساعدني كثيراً في بدايات عملي الصحفي، بل أنه وبحكم عضويته في مجلس الشعب القومي كان إما أن يسرّب إليّ معلومات أستفيد منها في النشر لتقيم الدنيا ولا تقعدها، وإما يتبنى ما أطرح من قضايا لتصبح قضايا رأي عام بحق من داخل البرلمان، ولا أنسى أخطر التحقيقات التي قمت بها في حياتي الصحفية والذي جاء تحت عنوان (إختفاء طالبة سودانية في الاتحاد السوفيتي) وكان عنواناً رئيسياً في (الأيام) آنذاك.. لقد قدم لي (رأس الخيط) وأخذت أحقق في الأمر حتى تفجّر وخرجت المظاهرت تجوب شوارع الخرطوم تطالب بالتحقيق في القضية.. ثم تبنى مجلس الشعب القضية واهتم بها الرئيس نميري شخصياً.. وشعرت بزهو عظيم.. لكن صورة الياس الأمين كانت أمامي.. مثلما كانت مساء الاثنين ونحن نؤبن هذا الرجل العظيم ونربط بينه وبين أستاذه وشيخه الراحل المقيم الدكتور عز الدين السيد فقد كان الرجلان قمة في الوفاء والإخاء.. والعظمة.