تحقيقات وتقارير

إعدامات الإخوان: هل يلتفت السيسي إلى الالتماسات بالعفو عن المحكومين في قضية “الهروب من سجن وادي النطرون” أم أن المحروسة ينتظرها سيناريو مختلف


قرارات محكمة جنايات القاهرة أمس (الثلاثاء) بإعدام الرئيس المصري السابق محمد مرسي، في القضية المعروفة إعلاميا بـ”الهروب من سجن وادي النطرون” والمتهم فيها 129 متهمًا على رأسهم الرئيس السابق وقيادات الإخوان، أثارت ردود فعل قوية في الشارع المصري والعالم العربي، وكذلك العواصم الغربية المؤثرة، وخاصة من جانب المنظمات الحقوقية الدولية، ما يدفع للتساؤل حول قدرة السلطات المصرية على تحمل المضاعفات المتوقّعة لذلك القرار، داخليا وإقليميا.

وأصدر تحالف دعم الإخوان بيانا، أعلن فيه التصعيد عقب الحكم على قيادات الإخوان، والرئيس المعزول محمد مرسي، وقال التحالف في بيانه إن الأحكام الصادرة تأتى في إطار الحرب ضد الإسلام، مشيرا إلى أنه مستمر في الثورة، وأنه يرفض الحكم الصادر ضد الرئيس المعزول.

واستنكر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، برئاسة الدكتور يوسف القرضاوي، تنفيذ حكم بالإعدام في حق القرضاوي ومرسي، وآخرين، واعتبر الاتحاد، في بيان له، تلك الأحكام استهانة خطيرة بالأرواح والقيم الإسلامية والإنسانية، مطالبًا (قادة العالم الإسلامي والمنظمات الحقوقية) بمنع ما وصفها بالسلسلة الخطيرة من الازدراء بكرامة الإنسان وحقوقه في الحياة والحرية، وحذر الاتحاد “من أضرار تلك الأحكام على مصر العظيمة، كما أنها تزيد الفرقة والمشاكل لشعب مصر، وتدفع بالشباب إلى دوائر العنف المختلفة”، منددًا بتنفيذ سلطة العسكر أحكام الإعدام بحق ستة من شباب مصر اتهموا سياسيًا في ما يعرف بقضية “عرب شركس”، مؤكدًا أن إراقة الدماء حرام، وأن الظلم ظلمات يوم القيامة، واعتبر أن “المؤسسات في مصر مختطفة من قبل سلطة العسكر، ومن بينها الأزهر ودار الإفتاء والقضاء والإعلام والجامعات وغيرها، مما ينذر بكارثة حقيقية من تورط هؤلاء جميعًا في دماء الأبرياء، حيث لا استقلالية لأحد الآن على أرض مصر”، وأهاب الاتحاد بأحرار العالم “أن يشكلوا جبهة في وجه الظلم، وأن يكون لهم موقف مؤثر ضد هذه الانتهاكات الخطيرة في مجال حقوق الإنسان”، وطالب الاتحاد جميع القوى الثورية في مصر بتوحيد الجهود ونبذ الفرقة والاجتماع على المبادئ التي تحفظ حق الشعب المصري وثورته وحق شهدائه ومصابيه ومطروديه، وحقه في إعلاء إرادته وكرامته، وفي حياة كريمة متقدمة.

وفي أول تعليق على الحكم الصادر قلل أسامة مرسي، نجل الرئيس السابق محمد مرسي، من الأحكام الصادرة ضد والده وعدد من جماعة الإخوان. وعلق أسامة مرسي في منشور مقتضب في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى “فيس بوك” قائلاً: “إنت مرعوش كده ليه؟ ما تنشف.. اخترت تبقى قد اختيارك.. تصدق إحنا اترعبنا.. برضه مكملين.. حكم سياسي”

قلق دولي من الحكم

كما عبر عدد كبير من الدول والمنظمات العالمية عن بالغ قلقها إزاء الحكم الصادر في مصر، وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن حكما أصدرته محكمة مصرية بإعدام مرسي سياسي ولا يستند إلى القانون. وأضاف في مؤتمر صحفي أمس: ليس هناك قانون وليست هناك عدالة. وانتقد مدير قناة (العرب) السعودية، جمال خاشقجي، أحكام الإعدام التي قضت بها المحكمة المصرية، وكتب الإعلامي السعودي، تغريدة له على (تويتر) قال فيها إنه “بقدر ما أحكام الإعدام العبثية المسيّسة تؤلم كل من يحب مصر فإن سكوتنا عما يجري أكثر إيلاما.. فنحن من بلد لا يقبل بالظلم”، وقال إن “مصر بحاجة لأخ أكبر ينصحها بحديث رسول الله، انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل: يا رسول الله نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم”، وأضاف أن “هناك مواقف لا يصح السكوت فيها، ولكن نضطر للسكوت فنسكت، وفي ذلك تقصير، ولكن لو قلت غير الحق لكان ذلك فجورا.

واستنكر المئات من النشطاء والسياسيين في المغرب الحكم، وأجمع النشطاء على أن الأحكام التي صدرت فيها ظلم كبير وتستهدف الحرية في مصر، كما عبروا عن إدانتهم الشديدة لانحياز القضاء في البلاد للسلطة واعتبروه مسيّسا. وأعربت الولايات المتحدة، عن قلقها العميق للحكم الإعدام. أما منظمة “هيومان رايتس ووتش”، فقدمت شكوى عاجلة إلى عدد من المنظمات الحقوقية الدولية، خاصة بعد أن تم تنفيذ أحكام الإعدام السبعة في الشهر الماضي، وهو ما اعتبر رسالة من السلطات، مفادها أن المُضي في تنفيذ الحُكم نفسه على مرسي وقيادات الإخوان، أمر وارد.

اعتماد العنف

ويقول الدكتور عصام عبد الشافي أستاذ العلوم السياسية إن احتمال الْتحاق شباب الإخوان (أو جزء من أنصارهم) بالدّاعين إلى اعتماد الوسائل العنيفة والاقتراب من مفاهيم وممارسات “القاعدة” و”تنظيم الدولة الإسلامية” والتيارات الجهادية العنيفة بشكل عام وارد، وأكّد أن الاحتمال قائم بدرجة كبيرة للعديد من الاعتبارات، التي منها أن الكثيرين منهم (الشباب) يعتبرون مرسي وقادة الإخوان رمزاً لنضالهم ورمزا لشرعيتهم، ويعولون الكثير على عودة مرسي كوسيلة من وسائل استعادة الكرامة والحقوق التي تم إهدارها.

الاعتبار الثاني أن إعدام مرسي وقادة الإخوان يبعث برسالة مفادُها أن أحكام الإعدام لم تكن وسيلة من وسائل الابتزاز السياسي أو ورقة من أوراق التفاوض بين النظام الحالي وجماعة الإخوان، ولكنها كانت خطوة نحو التنفيذ، وأن النظام ماضٍ في مخطّطاته وسياساته، وليس هناك مَن يستطيع وقف هذه المخطّطات، حتى لو تم القضاء على كل الكيانات والشخصيات القائمة والتي تنتمي للإخوان، الاعتبار الثالث أن إعدام القيادات سيتم النظر إليه على أنه خطوة لترسيخ وتطبيق باقي الأحكام في حق المعتقلين والمطاردين والملاحقين، والذين يتجاوز عددهم 50 ألفاً، وهو ما قد يدفع بالتفكير في آليات أكثر عنفاً للمواجهة من أجل الحيلولة دون تمكين النظام القائم من الإيغال في القتل والقمع وانتهاك الحقوق والحريات، الاعتبار الرابع أن هناك الآن نوعا من الرفض المتنامي بين قطاعات كبيرة، يتّسع نطاقها، من شباب الإخوان لمنطق السلمية الذي تتبنّاه الجماعة ويدافع عنه قادتها باستماتة، وفي حال إعدام مرسي، يمكن أن يتحول هذا الرفض القولي إلى رفض فعلي واتجاه نحو الحسم باليد في مواجهة السلطة العسكرية القائمة.

العفو الرئاسي

في المقابل يرى كثير من المراقبين عدم التعليق على أحكام القضاء المصري، وأكد عدد منهم لـ (اليوم التالي) نزاهة واستقلالية القضاء المصري، وأضافوا أن من أرهب الشعب المصري وأسال دماء أبنائه لابد وأن تنال العدالة منه، كما يتوقع كثير من الخبراء أن يتم العفو على مرسي وقيادات الإخوان من قبل الرئاسة المصرية في ظل صفقة سياسية قد يتم إجراؤها في المستقبل لتنعم مصر بالاستقرار، وتنهي الاستقطاب الحاد الواقع في الشارع المصري. فهل يلتفت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى المطالبات والالتماسات التي تقدمت بها جهات كثيرة وعلى رأسهم خطاب الصادق المهدي زعيم حزب الأمة بضرورة عفو السيسي عن مرسي وقيادات الإخوان، وذلك لتجنيب مصر مخاطر كبيرة قد تصيبها لو نفذت مثل هذه الأحكام؟

اليوم التالي