عبد الجليل سليمان

رمضان.. بعيداً عن هنا


كل عام وأنتم بخير، ورمضان كريم.
دأبنا في الصحف على الاحتفاء برمضان وإفراد وتخصيص مساحات مُقدرة له. وكنتُ أظن – كعادتنا – أننا دون سائر خلق الله بما في ذلك الشعوب الإسلامية من نولي الشهر الكريم رعايتنا واهتمامنا ونظهر له من التبجيل والاحترام ما لا يفعله أحد غيرنا، فنُكرر كل شيء – ولا جديد – نكرر موادنا الصحفية، (الحلو مر، العدة، المسحراتي، الأزياء النسائي، (ضيق الأخلاق)، السواك والبصق في الشوارع والأماكن العامة، رمضان في بلادهم، وأغاني وأغاني. ويا له من تكرار ممل.
ثم فجأة، تبرز لي (ذي غارديان)، وهي يومية بريطانية ذات شأن وسطوة وحضور واحترام، فإذا بها تحتفي برمضان، ليس مثلنا تماماً، فاحتفالها ذو شجون، إذ بذلت الصحيفة واسعة الانتشار تقريراً عنونته بـ (الصوماليون في كنيس يهودي بمناسبة شهر رمضان).
يقول التقرير: ليست ثمة حكاية تبرز التسامح بين الأديان في عصرنا كتلك التي سنرويها هنا، فعندما يحل رمضان هذا الأسبوع، فإن مجموعة من مسلمي شمال لندن من أعضاء المجتمع الإسلامي لجنوب شرق الصومال، سيتجمعون للصلاة. لكن ليس في مسجد، وإنما في كنيس يهودي. ولهذا الغرض كان القائمون على أمر الكنيس ابتدروا إصلاحات كبيرة فيه من أجل راحة ضيوفهم.
وقد صرح (فريدمان) أحد أعضاء الكنيس: لقد كسرت المعاشرة والتداخل بين الفريقين القوالب النمطية، فيما قال زعيم الجالية الصومالية (أبوبكر علي): الآن نتطلع حقا إلى رمضان، إنها تجربة رائعة في التعايش بين الأديان، وعلق الحاخام (بيرغر) بقوله: عندما نقدِّم الضيافة للمسلمين فإن ذلك ليس أمراً غريباً وإنما متسق مع قيمنا وقيمهم الحقيقية، وقد اتضح لنا كم هو سهل خلق الانسجام بين الثقافات والديانات المختلفة. اكتشفنا أن لدينا الكثير من القواسم المشتركة، أكثر مما نعتقد. ورغم أنه لا يزال هنالك من ينظرون إلى العلاقات بين اليهود والمسلمين على أنها لا يمكن إصلاحها، وهؤلاء يجب عليهم أن يعرفوا أن المشتركات بيننا أقوى مما هو مطروح من خلافات، وها نحن وهم، نتعايش إلى حد أننا نسهل لبعضنا ممارسة شعائرنا.
على كلٍ، سينفتح الكنيس اليهودي أمام المسلمين من الجالية الصومالية في المساء الأول من رمضان لأجل الصلاة، التي هي في الغالب (التراويح)، حيث أشار إليها التقرير بصلاة رمضان.
في الواقع ليس هدفي التعليق على تقرير الغارديان، كوني لستُ فقيهاً، وإنما صحافي، أنقل الخبر كما هو دونما تطفيف، لكنه في ذاتٍ الوقت قمين بي أن أتساءل، دون القيمة (الخبرية) والمعرفية والثقافية للتقرير: أليست مثل هذه التجارب في التعايش أفضل من التعارك والصراعات والحروب؟ وهل ثمة ما يمنع المسلم من التعايش بسلام مع منسوبي الأديان الأخرى؟ وتبادل الزيارات معهم؟
إذا لم يكن هنالك ما يمنع، فدعونا نهنئ المجمتع الصومالي في بريطانيا على هذه الخطوة، ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.