حوارات ولقاءات

القيادي الإسلامي الدكتور أحمد عبد الرحمن: السودان مستهدف منذ الثورة المهدية التي استغلت بقرارها ورفعت راية الإسلام


بعد الإعصار العنيف الذي ضرب قواعد الإسلام السياسي في عدد من البلدان العربية وخصوصا الجارة مصر، رأت (ألوان) أن تقلب في دفاتر تجربة الحكم الإسلامية في السودان مع القيادي الإسلامي الدكتور أحمد عبد الرحمن حيث طرحنا علي منضدته حزمة من الاستفهامات تتمحور حول اتهامات ترى أن الحركة الإسلامية قد تخلت عن مشروعها الفكري وارتدت العباءة السياسية، بالإضافة إلى الوضع السياسي العام في البلاد، وموقف الحكومة السودانية من إعدام الرئيس محمد مرسي وغيرها من الاستفهامات التي أجاب عليها الرجل بكل مرونة وبساطة فإلى مضابط الحوار..

٭ ماهو تقييمك للوضع العام في السودان؟

الوضع العام في السودان نسبياً أفضل من غيره خاصة لو تمت مقارنته بالمنطقة العربية والأفريقية ففي الوقت الذي تشهد فيه هذه المناطق اضطراب كبير وغياب للأمن وانهيار للدولة، إلا أن السودان لا يزال ينعم بقدر كبير جداً من الاستقرار، كما أن هناك مساحة واسعة لممارسة الحريات والدليل على ذلك وجود عدد كبير من مؤسسات التعبير عن الرأي من صحف ونقابات وينبغي أن ننظر الى ذلك في إطار الاستهداف الذي ظل يتعرض له السودان لفترة طويلة وهي حقيقة يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء، ولكن رغم هذه الظروف كان النظام قادر على مواجهتها بالكثير من الخطط الاقتصادية والسياسية بالتوجه شرقاً وإدارة ظهره للدول الاستعمارية حيث اعتمدت الخرطوم الى حد كبير على مواردها الذاتية، كما استقام نظام الحكم مع كل تطلعات أهل السودان ولولا الطموحات الأجنبية وأطماعها الغير مشروعة والتمرد والنزاعات القبلية لكان السودان في أفضل حالاته.

٭ رغم ما ذكرته من انجازات، إلا أن هناك سخط وتملل من المواطن تجاه الحكومة، خاصة في الجانب الاقتصادي كيف تقرأ ذلك؟

هذا التململ طبيعي جدا باعتبار أن البلد ظلت تعيش ظروف حرب وتمرد منذ الاستقلال، وعموما واقع الحال في الولايات أفضل من العاصمة، التي أصبح التململ فيها ملموس، لان المعيشة تعتمد علي مرتبات العاملين فقط ، ورغم ذلك هذا الوضع أفضل من دول الجوار الافريقي، والشاهد على ذلك أن هناك موجات من الهجرة تأتي للسودان من هذه الدول، كما أن هذا التململ والسخط لن يدوم طويلاً بعد توجه الحكومة نحو دول الخليج.

٭ تدهور الوضع الأمني تتحمل الحكومة مسؤوليته بدرجه كبيرة حسب قراءة الواقع؟

تدهور الوضع الأمني الحالي هو نتاج لألغام كانت موجودة أصلا في السودان وكان التحدي ولا يزال أن السودان بلد متعدد القبائل والأعراف والتقاليد بالإضافة لتعدد الدول التي تحده ويتداخل معها في كثير من القبائل وهذا الوضع جعله قبله للعديد من الأطماع ، ولذا أقول أن التحدي الذي تواجهه الحكومة هو المواطنة وذلك لأن السودان لم تكتمل الوحدة الوطنية فيه بعد، وبكل أسف أن الأيادي الخارجية والأطماع الأجنبية قد عملت على تعطيل مخاض الوحدة الوطنية وتأخيرها بالتمرد والنزاعات القبلية، وقد كان للشباب السوداني المتعلم دور كبير فيها لتحقيق مطالب شخصية وينبغي حل هذه النزاعات حل سياسي وليس عسكري أو امني لأنها جربت ولم تأت بنتيجة لذا على الحكومة احتواءها سياسياً عن طريق مدخل حقيقي هو التنمية لأن أساس هذه القضايا هو التخلف وعدم التنمية المتوازنة ولا نبرأ أنفسنا من التدهور الأمني في السودان فكل القوى الوطنية التي مرت على حكم السودان مسئولة عن التفلتات الأمنية وتركيز الخدمات في مناطق محددة وأهملت البعض الآخر، ومن غير المنطق أن نحمل الحكومة الحالية ما يجري الآن لأن تبعاته متراكمة من الحكومات السابقة ولا يمكنها أن تنفي مسؤوليتها بدرجات مختلفة مما هو حادث من تمرد ونزاعات وعليها الاعتراف بأن التمرد لم ينشأ في عهد الإنقاذ حتى تتحمل أوزاره فهو قد نشأ منذ الاستقلال.

٭ رغم كثرة اتفاقيات السلام التي وقعت بين الحكومة وعدد من حركات التمرد إلا أن هناك ظاهرة التمرد عليها إلى ماذا تعزى ذلك؟

هي ظاهرة ليست في السودان فحسب وإنما في البلدان التي تشهد مرحلة من مراحل النمو الديمقراطي والوحدة الوطنية لذا يشهد توقيع اي اتفاقية للسلام مد وجزر حول بناء الثقة والقدرة على التنفيذ، ورغم جلوس الأطراف للتفاوض، إلا أن طرق التنفيذ لا ترضيهم أحيانا ويشعرون بالتلكؤ والبطء في تنفيذها فيلجئون إلى التمرد عليها ونقضها، ولكن هذه الظاهرة بدأت تتلاشي وأن كل الدول الأوروبية قد مرت بهذه المراحل وأصبحت تدرس كتاريخ.

٭ كيف تنظر إلى ما يجري الآن بين الحكومة والمعارضة دخول البعض وخروج الآخر؟

الحكومة كانت جادة وأمينة وملتزمة في طرحها للحوار والرئيس البشير كونه يفوز أو لم يفوز فهو صاحب المبادرة لأنه لا خيار لأهل السودان سوى الحوار وعلى المعارضة أن تتمسك به وتعض عليه بالنواجز، لأن التغيير عبر ارحل أو غيره قد تم تجريبه كثيراً سواء كان بانقلاب أو انتفاضات شعبية وكل مآلتها قد انتهت بالفشل وغير مضمونة عواقبها، ورغم وجود عقبات أمام الحوار بدخول بعض الأحزاب وخروج الآخر، إلا أن اي حزب قلبه على السودان ولديه عقل يعرف انه لا مخرج لأزمات البلاد إلا بهذا الحوار وعليهم أن يتعظوا مما حدث من تجارب الربيع العربي ويجنبوا السودان مصيره بالجلوس سوياً وقبول مخرجات الحوار وتنفيذها.

٭ ماهي معوقات العملية السلمية في السودان بشكل عام؟

اكبر معوق ينبغي أن تتعاون الحكومة والمعارضة على تحقيقه هو إيجاد مناخ أفضل للحوار والالتزام بتنفيذ مخرجاته وأن يكون سوداني سوداني خالص دون وساطات أجنبية لأنها لا يؤمن عواقبها ويصعب تجريدها من أجندتها.

٭ قيادة المعارضة لحملة ارحل لإسقاط النظام إلى اي مدى نجحت في إقناع الشارع العام برأيك؟

الأصوات العالية في المعارضة والتي ليس قواعد ودائما ما يقودها اليسار تظل تطلق في أحاديثها التي ليس لها سند، لأنه (ليس لديها سوق لتسويقها وأن وجد فهو باير) ، كما أنها لا تقدم مشروع بديل بعد أن تسقط النظام، وقد ظللنا في السودان نبحث عن المعارضة مسئولة تقدم مشروع منطقي بعيداً عن استغلال الظروف المعيشة الصعبة للمواطن وللأسف المعارضة في السودان هي معارضة من اجل المعارضة فقط تقودها أحزاب متعطشة للسلطة.

٭هناك أحاديث تقول أن تحسين الوضع الاقتصادي ووقف الاستهداف الخارجي للسودان لن ينتهي إلا بزوال النظام كيف تناقش ذلك؟

هو حديث ظلت تردده المعارضة لذا فهو حديث غير مسئول لأنها تستقوي بالخارج وقد كان الخارج ممسك بزمام البلد سنوات عديدة ولكن لم يفعل شيئاً ولولا القوى الخارجية التي تساند هذه المعارضة لا يمكن أن يكون لها صوت، وأعتبره (أحلام ظلوط) لأن العداء الموجه نحو السودان في وجود الإنقاذ أو غيابها لن يقف فقد ظل السودان مستهدف منذ الثورة المهدية التي استغلت بقرارها ورفعت راية الإسلام ، فالاستهداف قائم من قبل القوى الأجنبية وهذا أحرى أن يجمع أهل السودان معارضة وحكومة على القضايا الأساسية وأن تختلف داخلياً.

٭عزوف الشارع العام عن الانتخابات الأخيرة ماهو مردودها على العملية السلمية السياسية في السودان مستقبلاً؟

لن نستطيع أن نقول هناك عزوف باعتبار (5) مليون مواطن سوداني قد صوت فيها ولكن أن وجد فهو قد كان في العاصمة وليس في السودان كله وقد شارك الإعلام السوداني في العزوف عن هذه الانتخابات بصورة كبيرة لأنه ظالم وغير موضوعي في تناول مراحل العملية الانتخابية فرغم الانجازات التي عملتها الحكومة إلا أن هناك إعلام موجه سالب ضدها بعدم ذكرها، وهنا يستحضرني حديث لسفير كينيا السابق بالسودان حينما قال لي هناك انجازات كبيرة عملتها الحكومة السودانية ونتمنى أن نحذو حذوها في بلدنا ولكن الجحود السياسي الذي تمارسه الأحزاب ينكر ذلك.

٭ لماذا عجزت الحكومات السودانية عن وضع دستور دائم برأيك؟

المصيبة الكبيرة في الدول النامية والسودان واحد منها أن الحكومات غير حريصة عن وضع دستور دائم وحتى عندما وضعوه تم تسميته بالانتقالي فمنذ الاستقلال وحتى الآن ظل السودان يحكم بدستور انتقالي ورغم ذلك حصل عليه إجماع مثل دستور 2005م حيث حظي بإجماع المعارضة والحكومة ولبى كل تطلعات الحركات المسلحة والنزاعات الانفصالية كانت مضمنة فيه ولكن للأسف مفهوم المواطنين للدستور ضعيفة جداً ناهيك عن الالتزام به ولذا على الحكومة والمعارضة احترام الدستور ووضعه بأسرع وقت، خاصة وانه في الفترة الأخيرة أصبحت المعارضة تتعلل به وتطالب بتأجيل الانتخابات وربطها باستقرار الوضع في دارفور وغيرها، ورغم ما أثير عن فقد الحكومة لشرعيتها بانفصال الجنوب وعدم شرعية قيام الانتخابات إلا أنني أقول أحسن أن نحكم بسيادة منقوصة ولا سيادة غير موجودة أصلاً.

٭ الحديث عن عودة الإمام الصادق من جانب الحكومة ونفيه من حزبه هل أنت مع عودته؟

نعم أنا مع عودة الصادق المهدي لأن فيها مساهمة كبيرة لاستقرار البلد والدفع بعملية الحوار للأمام وبحكم سنه عملياً لا أتوقع أن يتولى منصب تنفيذي ولكن بحكم حكمته وقيادته التاريخية يستطيع أن يفعل الكثير.

٭ انهيار تجارب الربيع العربي يجعل نظام الإنقاذ آخر تجربة إسلامية في المنطقة مما يجعل عليه العين والاستهداف ماهو تعليقك؟

هناك من يعتقد أن الربيع العربي قد فشل ولكن أقول انه قد وضح أن التوجه الإسلامي كان له القيادة والريادة و(بارت) كل الأطروحات الاخري، كما لا تزال الدول التي حدثت فيها ثورات الربيع العربي هو الإيحاء الإسلامي أما عن تكرار التجربة في السودان فهي صعبة جداً والطريق غير ممهد لها.

٭ التجربة الإسلامية في السودان حالة تقييم؟

مشوارها طويل وسوف تواجه تعسر وتحديات ولكن لن تتراجع والمشروع الحضاري في السودان يحتاج لمساندة قد يجدها في تركيا أو إيران.

٭ هناك اتهامات للحركة الإسلامية أنها قد دخلت العباءة السياسية؟ ضروري جداً وطبيعي أن تدخل الحركة الإسلامية العملية السياسية لأن بدايتها تزامنت مع وجود حركات مطروحة ومدارس تركز على الدعوة ولكن الحركة الإسلامية أثرت بعد نقاش كبير جداً أنها حركة شاملة وتعول أكثر على السلطة من اجل التغيير السريع في المجتمع وهذا يتطلب القدوة والالتزام بتقييم الإسلام عند الذين يتصدون للقضايا السياسية لأن الطرح السياسي لو ترك لوحدة سوف يأكل الأخضر واليابس، وقد حصل ذلك في كثير من الدول التي حولنا.

*هل هناك ارتباط للحركة الإسلامية في السودان بمن حولها ؟

التجربة الإسلامية في السودان تطورت إلى أن وصلت الى الحكم ورغم إنها متعثرة وتواجه كثير من الاستهداف إلا أنها ليس معزولة من بعدها الإسلامي في المنطقة رغم أنها ليس لها ارتباط عضوي بهذه الحركات في الماضي أو المستقبل وقد اختارت الحركة الإسلامية في السودان أن تكون مستقلة نتيجة للظروف التي حاطت بالإخوان في مصر حيث كانوا في عداء مستمر مع السلطة وقد كان ذلك مبرراً أن تتعظ الحركة الإسلامية في السودان من ما يجري هناك وأن تحتفظ باستقلاليتها.

٭ البعض ينظر إلى أن ردة فعل الحكومة تجاه إصدار أحكام إعدام مرسي كانت ضعيفة؟

امتحانات كبيرة تواجهها الحكومة خاصة وأنها محسوبة على التجربة الإسلامية وإلى حد كبير صعب على اي حكومة أن تعبر في هذه الظروف الإقليمية والدولية التي أصبحت تتخذ من حقوق الإنسان ذريعة للضغط على الدول في مواقفها الدولية، لذلك إذا حصل تجاوب مع ماهو حادث في مصر أو تونس أو غيرها، هو أمر طبيعي وقد عبر عنه الشارع وعلى الحكومة أن تتجاوب مع ما يحدث وتعبر عن رفضها وتتعاطف مع ما يحدث للمسلمين لأن ( من لا يهتم بأمرهم ليس منهم).

الوان