عبد الجليل سليمان

الوزير وعزل النساء


ربما لم يكن لأحدٍ، حتى بيننا – نحن الصحافيين – دعك عن غيرنا، أن يسمع بمولانا (أحمد أبو زيد) وزير الدولة بوزارة العدل، وقاضي المحكمة العليا المتقاعد، لولا أنه هب هبة مُضرية كاد يقتلع بها كما تفعل ريح الخماسين والهبباي كل المدعوين والمشاركين في ورشة عمل نظمتها وزارته بعنوان (تحديث خطة العمل الوطنية لتنفيذ توصيات المراجعة الشاملة).

وبدلاً من أن يبدأ الوزير (ورشته) بأن يحمد الله ويثني عليه ويبارك للمسملين في مشارق الأرض ومغاربها حلول شهر رمضان الكريم، ثم يعقب هذه المباركة بشرح عنوان الورشة (الغميس، المدغمس، الغامض والطويل)، قام الرجل في الحضور (قومة) جعلت أنفاسهم تتلاحق وصدورهم تعلو وتهبط إذ زعق فيهم زعقة كالصاخة بأن ينعزل الرجال عن النساء كل يصطف في جهة، وأنه لن يسمح برجلين تتوسطهما امرأة أو امرأتين يتوسطهما رجل. وأنه لن يتخلى عن حدوده وتوجهاته، بحسب ما أوردت يومية السوداني في عددها ليوم أمس الخميس.

لكن أبا زيد، لم يكتف بذلك، فترك موضوع الورشة التي دعا لانعقادها وانصرف بالحضور إلى موضوع هامشي لا قيمة له ولا أثر، فطفق يتحدث عن نفسه بطريقة غريبة عجيبة وفي موقع ليس مخصصا لهذا النوع من الحديث، فاستمعوا إليه يرحمكم الله ويغفر له ولكم، فقد قال: (من يظن أن المنهج الإسلامي قد شاخ وانزاح فليعلم أنه ما يزال باقياً).

يا مولانا – هداك الله – ما الذي جعلك تثور كل هذه الثورة بمجرد أن رأيت رجلاً، اتضح أنه كفيف يجلس جوار امرأة في ورشة عمل محضورة دعوت لها أنت ووزارتك؟!

تصوروا أيها المسلمون أن مولانا وزير الدولة بالعدل يغصب كل هذا الغضبة التي أطاحت موضوع الورشة (الغميس وعنوانها المدغمس)، لمجرد جلوس رجال ونساء في جانب، فيضيق صدره كل هذا الضيق حتى ينصب نفسه حامياً لبيضة الإسلام دون سائر خلق الله ومدافعاً منافحاً عنها، وهذا أمر لا غبار عليه، ولكن له ميادينه، وبالتأكيد ليست هي ورش العمل المنعقدة في قاعة مكيفة بالطابق الخامس من مبنى وزارة العدل، ضمن تلك الميادين.

على كلٍ، رفض المدير التنفيذي للمجلس القومي للمعاقين تنفيذ توجيهات مولانا (أبو زيد) بالانفصال عن المرأة التي تجلس إلى جواره، وانخرط معه في نقاش حامٍ، وأوضح له أنه كفيف وأن هذه المرأة هي (عينه التي يبصر بها) يا للهول ويا للوجع والألم!!

أيها المسؤولون، خففوا عن أنفسكم مشقة التهاتر والهتاف والانجراف والهيجان والهوجاء، تريثوا، تمهلوا، وترفعوا عن صغائر الأمور إلى عظائمها.

قالت الأخبار: خرج السموأل من الورشة برفقة المرأة التي تقوده، وما إن انتهى أبو زيد من كلمته حتى عادا إلى القاعة مرة أخرى وجلسا إلى جوار بعضهما. فما قول الوزير في هذا؟