عبد الجليل سليمان

مبروك النجاح ولكن


كثيرون وحق لهم ذلك – وأنا ضمنهم – غمرتهم الفرحة بنجاح أبنائهم في امتحانات الشهادة الثانوية التي أُعلنت نتائجها أمس، وهكذا وبين تضاعيف وتفاصيل هذه الفرحة تختبئ عديد الأسئلة المركزية والجوهرية التي ينبغي طرحها الآن (والحديد حامٍ) دونما تأخير أو خشية من إفساد تلك الفرحة على الناس.

على العكس تماماً، أرى أن الحوار بخصوص جدوى العملية التعليمية في بلادنا في هذا الوقت بالذات (مع إعلان النتيجة) ينبغي أن يُضاعِف الفرحة ويُحفِّز الجميع (كل أطراف) العملية التعليمية على إعادة النظر فيها من جديد، ليس بهدمها جملة واحدة، وإنما بتطويرها بدأب وبطريقة ممرحلة لكنها متقنة وحاذقة ودقيقة، وبتدارك جوانب قصورها والعمل على إكمالها رويداً رويداً ودونما عجلة حتى لا نقع في أخطاءً باهظة الكلفة كما حدث في مقرر (أولى أساس) الجديد.

على كلٍ، ولأن التعليم هو استثمار في الإنسان، وبالتالي فهو (عين التنمية وقلبها) كما يقولون، ودون تطوير الموارد البشرية لن تقوم لأي مشروعات تنموية أخرى قائمة، وستؤول حتماً إلى فشل ذريع، لأن المعادلة ببساطة شديدة تبدو كالتالي: الإنسان هو من يخطط وينفذ ويدير مشروعات التنمية لصالحه، وما لم يثمر التعليم عن كفاءات عملية وفنية وفكرية تتسم بأخلاق وقيم (معقوله) فإنه بالضرورة وبالنتيجة (فاشل).

وهنا في بلادنا، ومنذ عقدين ونيف، كانت ولا تزال مخرجات التعليم (ضعيفة) إلى درجة تدعو للقلق، فما الأسباب يا ترى؟ يستاءل كثيرون، فتظل الإجابات مثل أرجوحة مجنونة تقذف بهم بعيداً عن الأسباب الحقيقية لتدهور هذا القطاع التنموي الأهم على الإطلاق.

سياسة دفن الرؤوس في الرمال إزاء هكذا مشكلة، تفاقم منها وتجعل إيجاد حلول لها – لاحقاً – أمراً دونه خرط القتاد، لذلك من الأجدى الاعتراف بها أولاّ، ثم توصيفها بدقة حتى تكون المعالجات أكثر نجاعة.

بطبيعة الحال، لابد أولاً من فصل العملية التعليمية عن السياسة وإبعادها عن الشعارات المذهبية والعقائدية، ثم تخفيف المنهج وجعله رشيقاً دونما إخلال، على أن يكون مستبطناً لآلية تسمح له بالتطوير الذاتي، حتى إذا ما استجدت – على سبيل المثال – نظرية علمية جديدة ضُمِّنت المنهج من فورها.

التعليم يحتاج إلى أموال، ولن يتطور ويتقدم إلا إذا بسطت الحكومة يدها (المالية) المغلولة عنه نحوه، وسحبت يدها السياسية والفكرية منه، ورفعت شعار المدرسة والمدرس في المقدمة، فصرفت على التعليم والمعلمين بسخاءٍ وهم يستحقون ذلك وأكثر.

كلما قدمنا خدمات تعليمية راقية وحديثة، تقدمنا خطوات واسعة نحو التنمية والرفاهية في كافة المجالات.

مبروك للناجحين، ونقول للذين لم يوفقوا لن تتوقف الحياة في هذه المحطة الصغيرة، فالمستقبل مفتوح لكم على مصراعيه، وغدا أجمل.