تحقيقات وتقارير

ما أسباب أخطاء التحاليل الطبية.. فساد المحاليل.. رداءة الأجهزة أم ضعف كفاءة العاملين؟؟


سيدة تُتهم بـ(السرطان).. وفي الفحص الثاني يتضح أنها مصابة بـ(التهاب في الدم)
التاريخ المرضي يبرئ سيدة من (السكري) ويثبت أن حالتها مجرد (أنيميا)
طبيب مختبر: مسؤولية أخطاء التحليل لا يتحمّلها المختبر.. فالجهات المعنية شريك أساسي
الجهات المختصة تسمح باستيراد الأجهزة صينية الصنع ذات الجودة المتدنية ولا تهتم بالأجهزة (درجة أولى)
اختصاصية مختبرات تعدّد الخطوات الواجب إتباعها من أجل التشخيص الدقيق
تحقيق- زينب بشرى النور
(أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال، باذلاً وسعي في استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق ……….)
من هيبة هذا القسم جاءت هيبة الطبيب الذي يلجأ إليه الإنسان عندما يشعر بالألم بصفته الشخص المسؤول عن تشخيص المرض وإعطاء الدواء المناسب الذي يساعد على الشفاء بإذن الله تعالى، باذلاً في ذلك العناية الصادقة واليقظة تجاه المريض، وبالتالي فمن الطبيعي أن يقوم الطبيب بالكشف على المريض وأن يطلب منه إجراء التحاليل الطبية التي تمثل عين الطبيب الأولى، وبواسطتها يراقب حالة المريض عن طريق اختيار العلاج اللازم، ولكن من غير الطبيعي أن يتم التشخيص الخاطئ من قبل الطبيب بناء على نتائج التحاليل الخاطئة، وبالتالي يصف العلاج الخاطئ للمريض الذي لا حول له ولا قوة.. وهكذا دواليك.
بعض المرضى يتعرضون لصدمة كبيرة تهز وجدانهم عندما يخبرهم الطبيب بمعلومات غير متوقعة تماماً بشأن مرض خطير أصابهم، وقد تصاحب هذه الصدمة تبعات صحية ونفسية لا تحمد عقباها.. فالأخطاء المعملية من أخطر المشاكل الشائعة، لأنها تعطي صورة غير حقيقية عن حالة المريض، فتدخله في عالم من الحيرة والتخبط.

{ نتائج متضاربة
على الرغم من أننا في وقت يشهد فيه العالم تطوراً هائلاً في شتى المجالات الطبية والصحية، إلا أن هذه القضية الشائكة ما زالت تشغل حيزاً كبيراً من تفكير المواطن الذي صار متوجساً من أن تصبح صحته في مهب الريح، حيث أصبح من المعتاد ظهور نتائج متضاربة بين معمل وآخر لنفس المريض وفي فترة زمنية قصيرة. فالموضوع ليس سهلاً لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بصحة وحياة الإنسان، والتشخيص السليم سواء بالتحاليل أو الأشعة أو غيرها يعدّ حجر الأساس، أو اللبنة الأولى، وأحد أهم أركان المنظومة الطبية التي يتم على أساسها تحديد الخطة العلاجية الصحيحة.
(المجهر) وقفت عند بعض الحالات ورصدت الأخطاء المخبرية الخطيرة، موضوع هذا التحقيق.. فإلى المضابط
{ سرطان ثم التهاب
كانت الصدمة قوية وغير متوقعة عندما أخبر الطبيب السيدة “شادية. م” أنها مصابة بسرطان الدم بناء على نتائج المختبر، فتوجهت هي وزوجها إلى معمل آخر وهما في حالة من الذهول والترقب لتعيد السيدة إجراء تحاليل الدم من جديد، ليتضح خلوها من مرض السرطان، وأن ما تعاني منه مجرد التهاب في الدم ونقص في نسبة الحديد.
“خالد. ص” الشاب الذي استخدم علاج الكبد الوبائي لمدة سبعة أشهر وبعد تدهور حالته الصحية خلال هذه الفترة وعدم تجاوب جسمه مع العلاج قرر السفر للخارج ليكتشف أنه يعاني من دوالي المعدة وليس داء الكبد، فقرر اللجوء للقضاء، ولكن دون جدوى.
وقررت “زلفى. ح” فتاة في بداية العشرينيات الذهاب للطبيب عندما أحست لفترة طويلة أن الإرهاق والتعب المستمرين لا يفارقان جسدها، فطلب الطبيب إجراء ما يلزم من تحاليل طبية، فكانت النتيجة أنها مصابة بخمول في الغدة الدرقية، وبناء عليه وصف لها العلاج لتبدأ رحلتها مع المعاناة. فقد بدأت في استخدام العلاج لفترة قصيرة، بيد أنها أحست باضطراب في نبضات قلبها وتوتر شديد، خالج “زلفى” الشك فتوجهت لإعادة التحليل في معمل ثانٍ وثالث فكانت النتائج الجديدة خلوها من الغدة، وأنها في الأساس تعاني من نقص في نسبة بعض الفيتامينات في الجسم.
{ الطفلة الضحية
أما “خديجة. س” وهي سيدة ذهبت إلى الطبيب تشكو احتقان الجيوب الأنفية، فطلب منها تحاليل كانت نتيجتها أنها مصابة بالتايفويد بنسبة مرتفعة جداً، حد تشككها فيها، فقامت من فورها بالذهاب لمعمل آخر أكد عدم أصابتها بالمرض.
وبمرارة حكى لنا أحد الآباء هذه الحالة قائلاً إنه توجه بابنته التي تبلغ من العمر ثماني سنوات للطبيب بعد ارتفاع درجة حرارتها، فطلب منه إجراء ما يلزم من تحاليل فخرجت النتيجة بإصابة الطفلة بجرثومة المعدة، لكن لم تبارح الحرارة جسد الصغيرة، الأمر الذي أثار استغراب الأب فما كان منه إلا أن اصطحب ابنته إلى طبيب آخر، ليفاجأ بأن الطفلة تعاني من ملاريا خبيثة.
وهذه واحدة من الحالات التي شخصها التحليل خطأ.. تقول “خالدة. ق” محامية وهي تحكي معاناتها لـ(المجهر) إنها كانت دائماً ما تشعر بالدوار فقررت زيارة طبيبها وبدأت إجراء التحاليل اللازمة التي طلبها منها، ليتبين إصابتها بالسكري. فاستنكرت “خالدة” هذه النتيجة سيما وأن تاريخ الأسرة المرضي يخلو من حالات السكري، فأعادت التحليل مجدداً في معمل آخر، وكشفت نتيجته عن إصابتها بالأنيميا.
{ نتيجة صادمة
ورم صغير في الثدي أصاب “أمل. ع” وهي سيدة في منتصف الخمسينيات، روت قصتها معه وكيف أنها أصيبت بالهلع، وعليه قامت وبوجه السرعة بمقابلة اختصاصي الجراحة والأورام الذي كشف عليها سريرياً وطلب منها إجراء عملية صغيرة لأخذ عينة من الورم، فكانت النتيجة صادمة، بأنها مصابة بسرطان الثدي.. واستطردت “أمل” قائلة إنها انهارت أمام هذا الخبر، وسافرت إلى الخارج برفقة زوجي وابنتي، ليتضح أن هذا الورم عبارة عن كيس دهني.
{ على من تقع المسؤولية
في هذا الصدد التقت (المجهر) طبيب مختبر “محمد عبد المطلب إبراهيم”، الذي يعمل في أحد معامل أم درمان المعروفة.. وبسؤالنا له على من تقع مسؤولية أخطاء التحاليل الطبية؟ أفادنا بأنها لا تقع على عاتق المختبر فقط، بل إن الجهات المختصة تتحمل الجانب الأساسي منها، مضيفاً إن الرقابة أصبحت (حبراً على ورق) لأنها تسمح باستيراد الأجهزة الصينية الصنع ذات الجودة المتدنية، ولا تهتم بالأجهزة (درجة أولى) كتلك التي تصدر لدول العالم الأول، متطرقاً في حديثه إلى مشكلة النفايات الطبية، وأنها لا تخصص لها محرقة رغم أن ذلك مسؤولية الدولة، والمختبرات في حد ذاتها وسلامتها تعد استثماراً ضخماً يعود عليها بالفائدة.
وأضاف معدداً إشكالات المختبرات ونتائج فحوصاتها، فانعدام (الضمير) وغياب المسؤولية، والأخذ بالمحسوبية والتعيين بالواسطات وليس بالكفاءات سبب رئيسي لتدهور الوضع بالمعامل السودانية.
{ خطوات لابد منها
من جانبها قالت اختصاصي ثاني مختبرات طبية “رؤى صلاح يوسف” التي تعمل في مختبر شهير بالخرطوم، إن هناك العديد من الخطوات التي يجب إتباعها للارتقاء بمستوى أداء المعامل الطبية وتوسيع نطاق تطبيقها لتشمل جميع المعامل في السودان، مما يساعد على التوصل إلى التشخيص الدقيق والقضاء على مشكلة تضارب النتائج، ومن أهم هذه الخطوات: ضبط الجودة، وهي تشمل سلسلة من الخطوات التي يجب تطبيقها ابتداء من التنظيم والإدارة، وطرق إجراء الفحوصات، والصيانة الدورية للأجهزة، وعليه يتم اكتشاف المعوقات والمشاكل والمتغيرات بمجرد حدوثها واتخاذ الإجراءات الفورية لعلاجها.
ومضت “رؤى” بقولها محددة خطوات الارتقاء بمستوى خدمة المعامل التي منها طريقة أخذ العينة ويراعى فيها إتباع بعض التوصيات عند أخذ عينات الدم بعدم ترك الرباط المطاطي لفترة طويلة وتجنب ربطه بشدة، لأن ذلك يساعد على ركود الدم، وعدم استخدام الرباط عند أخذ بعض العينات، ثم التأكد من صلاحية المحاليل والكواشف المستخدمة، مشيرة إلى ضرورة التزام مؤسسات التحاليل الطبية بعدم شراء محاليل منتهية الصلاحية وكواشف رخيصة الثمن وغير مضمونة النقاوة ولا تطابق الشروط العالمية خيفة النتائج الخاطئة.
{ العقوبة المناسبة
يقول “عبد السلام إبراهيم” (محضر معمل) إن الإنسان ليس معصوماً من الخطأ وليس هناك من يتعمده في هذه المهن، خاصة أنها مرتبطة بحياة الناس، فالإنسان عندما يراعي الله في عمله ويتحلى بالإنسانية والشفافية ويحترم المهنة التي يزاولها، ويضع ضميره نصب عينيه فسيؤثر ذلك على أدائه المهني وينعكس على النتائج المرجوة، فضلاً عن التأكد من جودة الأجهزة المستخدمة لأن هذا المجال أصبح يعتمد على التكنولوجيا الحديثة بصورة كبيرة جداً. فالأمر إذن يحتاج إلى تشريع جديد يحدد أنواع وحالات الخطأ وينص على العقوبة المناسبة، وفي الوقت نفسه لابد من وقفة ومراقبة جادة ومحاسبة المعامل التي لا تتبع الشروط اللازمة، ولا تتأكد من سلامة الأجهزة والمواد المستخدمة، ويستلزم ذلك لجوء بعض المرضى إلى أكتر من معمل للاطمئنان على صحة التحليل مما يثقل كاهل المواطن بالمزيد من الأعباء المادية الباهظة.
{ الاعتراف بالمشكلة
وأخيراً ثمة تساؤلات نطلقها: هل أصبحت الثقة بين المريض والمعمل في المحك؟ وهل أدى إهمال الرقابة إلى التمادي في الأخطاء؟ ثم من يحمي المريض (الضحية) من هذا التهاون والاستهتار؟؟
لذا نناشد الجهات المسؤولة أن تضع هذه القضية على رأس أولوياتها، وأن تشدد رقابتها على المختبرات الطبية بصورة عامة، والتركيز على جانب الخبرة فيها، وعدم منح التراخيص لهذا العمل الدقيق والحساس للكل دون تروٍ، والتأكد من صلاحية وسلامة الأجهزة الطبية المستخدمة، وأن تتعامل مع هذه الأخطاء الفادحة بموضوعية، وأن تبحث عن الأسباب والحلول.. ولتقليص معدل الخطأ لابد من الاعتراف أولاً بوجود المشكلة وعدم محاولة إخفائها أو التستر عليها.

المجهر السياسي