عبد الجليل سليمان

حاد عن الدين


قال الإسلاموي (الطيب مصطفى) في شهادة أدلى بها بين ثنايا حوار مع يومية الوطن عن انشقاق الإسلامويين إلى (فساطيط) كثيرة وطني، شعبي، عدل ومساواة، الإصلاح الآن، بسبب الصراع على السلطة، وهو ما سُمىّ حينها بمفاصلة رمضان. قال (مصطفى) واصفاً ما حدث بأن الترابي كثيراً ما حاد عن الدين في خلافه مع الطرف الآخر. وكأني بالرجل يريد الترويج بأن الإسلاميين عادة ما يلتزمون الدين في خلافاتهم، ونادراً ما يحيدون عنه، وهذا أمر تكذبه الوقائع على الأرض وتدحضة دحضاً يجعل من يراجعها ويستعيدها لا يصدق أحداً منهم وهو يُحدث الناس عن التزامه ناصية الدين والشرع مهما أظهر من التقوى والورع.

بالطبع أتمنى أن يقول لي أحدهم (هات دليلك إن كنت صادقاً)، فسيكون ذلك يوم (عيدي وجديدي)، لأن ما ضُخ من ألفاظ نابية وبذاءات وشتائم – دعك عن التعارك والاقتتال والإقصاء والتهميش – في خلافات الإسلاميين بينهم بينا، لم يحدث في تاريخ وسير الأحزاب السودانية من نشأتها وولادتها وإلى موتها الراهن. ليس الترابي وحده، بالطبع، وإن كان فعّالا للشتم، وإنما جُل الإسلامويين ينحون إلى هذا السلوك، اجتراح (الشاتم) مع خصومهم وبينهم بينا، ما أن ينشب خلاف ولو طفيف.

الترابي نفسه، أُسيء إليه، وشُتم (شتيمة الأراذل)، شتيمة لم تخل حتى من (عنصرية)، وهذه العنصرية أيضاً وسمت سلوك الإسلاميين في خلافاتهم البينية، وما الكتاب الأسود إلاّ نتيجتها الموثقة.

فإذا كُنا نُريد أن نصف رجلاً كالترابي بأنه حاد عن الدين في خلافاته مع رهطه، فهذا يعني بالضرورة أنه كان ملتزماً به ابتداءً. هذه واحدة، أما الثانية، فإن هذا القياس إذا ما طُبِّق على عناصر التنظيم كلها، خاصة القيادية منها، فإننا لن نجد منهم من لم يَحِدْ عن الدين، بمن فيهم الطيِّب مُصطفى نفسه.

لا أريد أن أغالي في الأمر، لكن لا بُدّ مما ليس منه بُد، فعندما نريد إخضاع مسيرة الحركة الإسلامية لمبضع النقد دونما (هرج ومرج) (وزعيق ونعيق) وصراخ داوٍ، فلن نجد بُداً من القول إنها كلها وبرمتها قد حادت عن الدين مذ انخرطت تعلق من مِساد عسل السلطة، لذلك لم تعد لديها القدرة على توظيف الدين في مشروعها السياسي مرةً أخرى. فقد انتهى الأمر مرةً وإلى الأبد.

وعليه بدلاً من أن يتلكأ الإسلامويون أكثر مما ينبغي، عليهم أن يدركوا أنفسهم وأحزابهم وفساطيطهم ومللهم ونحلهم كلها، ويأتوا بها إلى حزب مدني، يُدار بطريقة واعية، بعيدة عن (الغيبوبة) الراهن، وبمؤسسات بعيدة عن (قبضة الشيخ)، لعل هذا الأمر يقربهم من الدين أكثر، فلا يحيدون عنه مرّة أخرى.


تعليق واحد