تحقيقات وتقارير

الشعبي…هل يئس من الحوار الوطني؟


بعد مفاصلة دامت قرابة «14» عاماً بين حزبي المؤتمر الشعبي وغريمه المؤتمر الوطني الحاكم، بدأت بوادر انفراج لمسار علاقة الحزبين في بداية الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عمر البشير في السابع والعشرين من يناير العام 2014، ومنذ ذلك الحين طرأ على محيط الساحة السياسية مفهوم أن بالحوار سيعمل الحزبان على إعادة السيرة الأولى أي ما قبل «المفاصلة». وظهرت العديد من التكهنات تشير إلى ان التغييرات التي صاحبت الفترة بعد انطلاقة الحوار الوطني كانت بإيعاز من كبير عرابي الحركة الإسلامية «الترابي» التي أبعدت كلاً من قيادات الإنقاذ الأولى وأبرزهم علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع وعوض الجاز وأسامة عبد الله وغيرهم، يبدو أن «مرحلة التقارب والوئام» بين حزب المؤتمر الشعبي السوداني بزعامة د. حسن عبد الله الترابي، وحزب المؤتمر الوطني الحاكم في طريقها للنهاية، الحماس لم يعد ذلك الحماس، رغم التأكيد على بقاء الشعبي وتمسكه بالحوار حتى الرمق الأخير، لكن حالة من الإحباط والتخبط والتوهان يعيشها الشعبي جعلته في حالة تراجع وتراخي تجاه الحوار الوطني ويخفت صوته بسبب تمسك الحزب الحاكم بإجراء الانتخابات وأنها استحقاق دستوري، ومن هنا يبرز سؤال مهم: هل يئس المؤتمر الشعبي من الحوار بعد أن قل حماسه؟
في سبيل الحوار الوطني خاض المؤتمر الشعبي حرباً وتراشقاً إعلامياً مع بقية القوى السياسية المعارضة، واستفحل الأمر بأن جمد تحالف قوى الإجماع الوطني نشاط الشعبي، ومضى الأمر لأبعد من ذلك حينما ردد الشعبي بأنه باقٍ على الحوار وإن تخلف عنه المؤتمر الوطني نفسه، وقلت المطالبة بإسقاط النظام الحالي، كل ذلك من أجل الحوار الوطني، لكن في المقابل كانت تبريرات الترابي بقبوله الدخول في الحوار الوطني، الانفجارات التي أصابات الدول العربية، ويخشى الرجل من أن تصل إلى السودان. غير أن حالة من الإحباط واليأس سيطرت على زعيم المؤتمر الشعبي وأفقدته الثقة في استمرارية الحوار الوطني في ظل مآلات الأوضاع في البلاد، لعدة أسباب ومسببات.

أمر لم يكن متوقعا
لم يخطر على بال أحد أن يؤول الحال إلى ما آل اليه المؤتمر الشعبي، حالة من العزلة والتوهان والتخبط يعيشها الشعبي، بعد أن قل حماسه من الحوار الوطني وشعوره بحالة من العزلة بعد أن فقد فرصته من اللحاق بركب المعارضة، فأصبح يعاني العزلة والتوهان، إذ أن محللين رأوا في غياب المؤتمر الشعبي عن احتفالات تنصيب الحكومة والبرلمان الأخيرة إيذاناً بعودته للمعارضة من جديد، بعد أن أوصدت الأخيرة الباب في وجهه نتيجة قبوله الدعوة بالحوار الوطني، فقد أثارت مقاطعة حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي لكل احتفالات الحكومة من تنصيب لرئيسها وافتتاح لبرلمانها وما تلاها من مناسبات، تثير جملة من التساؤلات، كون الحزب أصبح من أكثر الأحزاب قرباً للحزب الحاكم في الفترة الماضية. وعلى خلاف ما درجت عليه القوى السياسية السودانية، قاطع الترابي افتتاح البرلمان رغم دعوته للحضور باعتباره رئيساً سابقاً له. ومع الاتهامات التي طالت المؤتمر الشعبي، التسبب في إفشال مراحل الحوار الوطني بانتهاجه طرقاً تناقض مسار المعارضة السياسية التي كانت متحالفة معه، والاقتراب كثيراً من حزب المؤتمر الوطني، علل متابعون ذلك بفشله في إقناع المؤتمر الوطني بالتراجع عن كثير من سياساته بما فيها إجراء الانتخابات. ويتساءل أولئك عن خيارات حزب المؤتمر الشعبي الجديدة بعد هذه الخطوة، وإلى أين يتجه بها، خاصة أن توترًا كبيراً وقع بينه وبين أحزاب المعارضة الأخرى، بعد أن جمدت قوى الإجماع الوطني نشاطه في التحالف.

انسداد الأفق
لكن عضو الهيئة القيادية في الحزب أبو بكر عبد الرازق يبرر في حديثه لـ«الإنتباهة» موقف حزبه بقبوله للحوار، إلى أن تقارب الحزبين في الفترة الماضية هو حالة تقدير لخشية من مآل سيئ حاق بدول أخرى كالصومال وغيرها، مشيراً الى أن قلة الحماس للحوار تعود إلى تطاول أمد الحوار الوطني وعدم التزام الحكومة بمقتضيات المناخ المناسب له، وإتاحة الحريات الكاملة دون اعتقال للأفراد أو مصادرة الصحف أو الرقابة القبلية او الأمنية، بجانب الإصرار على قيام الانتخابات وإنجازها ورفض تأجيلها حتى تكون مخرجاً من مخرجات الحوار الوطني وأثراً من آثاره، بعدم قبول نتائج الانتخابات، واهتمام الحكومة بالبعد الخارجي أكثر من اهتمامها بإنجاز مصالحة وطنية داخلية، فضلاً عن تفاقم الأوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية إضافة إلى تباطؤ الجهد من قبل الحكومة لإقناع الحركات المسلحة والأحزاب المقاطعة، للجلوس لطاولة الحوار الوطني من أجل إيجاد المصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي والوضع الانتقالي، ويمضي عبد الرازق إلى كل ما ذكر فإنهم متمسكون في المؤتمر الشعبي بالحوار باعتبار أنه لا خيار له، داعياً الذين يمتلكون أحد الخيارات فليأت به قائلاً حينها سنهرع إليه سوياً، لكن واقع الأمر يؤكد أن هناك انسداداً في الأفق نحو الحل الآمن، وهذا سر تمسكنا بالحوار الوطني.

وأكد عبد الرازق أن حزبه مع ذلك يحتفظ بقرار العودة للثورة الشعبية لإسقاط النظام، وأكد أن حزب المؤتمر الوطني لم يعدنا بحكومة انتقالية أو بتحول ديمقراطي رغم حسن النية والظن به. وقال إن حزب المؤتمر الشعبي تحفظ على التعديلات الدستورية، وهي أسوأ مما تفاصلنا حوله من قبل ودفعنا فاتورته، مؤكداً أن التقارب في الفترة الماضية لم يتخط مبدأ التنازل لأجل الحوار الوطني. وأضاف «كان تقديرنا أن تكون الانتخابات فرعاً من فروع الحوار الوطني وألا تكون فرضاً للأمر الواقع بنتائجها غير المقبولة»، مشيراً إلى أن المؤتمر الوطني حوّل الأمر إلى نظام ديكتاتوري، ما يعني أن المنطقة الوسطى التي يرجوها الحزب الحاكم لن تكون للوضع الانتقالي أو للتحول الديمقراطي». وتحدث عن أن التواصل بين الحزبين لم يكن إلا على المستوى الاجتماعي أو بترتيبات الحوار الوطني، وأن حزبه «ليس مع احتفالات تنصيب تحوّل السودان إلى ملكية، ويشارك فيها قاتل الإسلاميين في مصر».

حوار للجميع
ورشحت بعض المعلومات في السابق أن الحوار تحول من كونه للجميع إلى حوار ثنائي بين الوطني والشعبي، وبرزت التكهنات بعدم نجاحه في حل أزمات السودان بل سيقود إلى المزيد منها، خاصة في ظل شكوك أحزاب المعارضة في جدية الحزب الحاكم، حيث تراجعت فرص نجاح الحوار الوطني بصورة كبيرة، وظلت الكثير من القوى السياسية تشكك في جدية الحزب الحاكم في الحوار باستثناء أحزاب القبلة من الإسلاميين بطوائفهم الثلاث «الشعبي والأمة والاتحادي». ولكن يبدو ان دخول الحزب الحاكم في حوار منفرد مع الشعبي زاد من شكوك الحزبين الآخرين خاصة حزب الأمة القومي بقيادة المهدي، بينما رفضت القوى السياسية المنضوية تحت لواء قوى الإجماع الوطني أية دعوة للحوار مع الحزب الحاكم، وقدّمت جملة من الشروط قبل الدخول في أي حوار. غير أن محللين سياسيين قالوا إن حزب المؤتمر الوطني يلتزم بالانخراط في حوار وطني يشارك فيه الجميع بما فيهم الحركات المسلحة، وليس في حوار مخصص لحزب بعينه مثل المؤتمر الشعبي. وأشاروا إلى أن رئيس الجمهورية عمر البشير أكد في خطاب تنصيبه على الالتزام بعملية حوار وعلى سير الحكومة في هذا الطريق دون عزل أحد. ويعتقد أن موقف الحزب الشعبي مجرد مناورات سياسية لا أكثر، وأن الفراغ من التشكيل الوزاري جعل المناخ مناسباً لانطلاق الحوار، وأن الشعبي سيشارك فيه باعتباره خياره الإستراتيجي.

ووصفوا موقف المؤتمر الشعبي من التطورات السياسية في البلاد بالغامض، لكن في ذات الوقت استبعدوا وجود درجة من التغيير في موقف الحزب تقوده إلى صف المعارضة. واعتبر أن صمت زعيم حزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي عن إعلان رأيه في الانتخابات وما ترتب عليها من تشكيل حكومي ومدى استجابة الرئيس لرؤى ومطالب الإصلاح، علامة استفهام تعزز غموض موقف الحزب وطبيعة علاقته الحالية بالمؤتمر الوطني.
غير أن التساؤل الأكبر المطروح: ما موقف حزب المؤتمر الشعبي وإلى أين يتجه؟، لكن الواضح أن الشعبي لم يشارك في الحكومة المعلنة بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا يعارضها صراحة مثل قوى المعارضة الأخرى.

تضاؤل أمل الحوار
لم تكن هنالك أية بارقة أمل لأي انفراج في الأزمات التي تحدق بالبلاد، كان الأمل الوحيد معلقاً على الحوار الوطني ولكن تضاءل الأمل فيه إلى حد بعيد، هكذا قال البروفيسور الطيب زين العابدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، واشار الى أن حزب المؤتمر الشعبي لم يستطع أن يكون له تأثير جماهيري مقدر، اذ أنه ظل لفترة طويلة حزباً صغيراً. مبيناً أن دخوله في الحوار الوطني من أجل زيادة وزنه وثقله السياسي، ويمضي الطيب الى أن وزنه يعتمد فقط على المبادرات التي يقوم بها الترابي الأمين العام للحزب، لذلك حماسه وتمسكه بالحوار الوطني من اجل إعطاء دور أكبر في مسار السياسة السودانية، ويقول الطيب رغم كل ما بذله زعيم المؤتمر الشعبي من أجل الحوار خذله المؤتمر الوطني بإقامة الانتخابات رغم اعتراض الترابي على ذلك ما أضعف موقفه، إذ ليس لديه بديل غير مقترح النظام «الخالف» الذي يقرب بين الجماعات الإسلامية «حزب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي والشعبي والوطني» من جهة و»الحزب الشيوعي والبعث» من الجهة الأخرى لتكون في البلد كتلتان كتلة الإسلاميين وكتلة اليساريين باعتباره البديل الذي وضعه الترابي للحوار الوطني. وأشار الطيب الى أن الوطني لم يستجب لمطالب المؤتمر الشعبي وسفههم تماماً، مما جعل الحزب يعاني الشعور بالعزلة من قبل المعارضة والحكومة، مبينًا أن الشعبي قام بعمل محاضرة غير محسوبة النتائج. ويقول الطيب إن الحكومة غير مستعجلة لأمر الحوار الوطني والصورة الآن لا تدل على تقدم في أمره والمشاركة أصبحت أضعف مما كانت عليه في السابق، الحكومة أولويتها الانتخابات، بالرغم من أن الرئيس البشير كان جاداً في مسألة الحوار الوطني لكنه بدأ يفقد الحماس تدريجياً خاصة بعد أن اكتشف أن حزبه ليس على قلب رجل واحد، وأن الحوار الوطني لم يضف جديدًا للرئيس ولن يحقق ما كان يريده الإجماع الوطني، خاصة بعد خطاب الرئيس البشير الأخير في بورتسودان الذي رفض فيه تصفية الحزب الحاكم أو تأجيل الانتخابات، مما وضع الأحزاب التي كانت تدافع عن الحوار مع الوطني «من غير شروط» في موقف غاية في الصعوبة، فلم يجد الحزب الحاكم إلا البحث عن مخرج وتقديم تنازلات، لن تتم إلا عبر دخول الترابي في المنظومة. وعلى الرغم من المواقف الكثيرة التي تُحسب على الشعبي إزاء قضايا السودان المختلفة، إلا أن اعتذاره عن المشاركة في لقاء للمعارضة بالجبهة الثورية بأوروبا جاء التزاماً منه بالحوار الداخلي، وبرر الشعبي الأمر بالتزامه بالحوار الداخلي ودعوته لها بضرورة حضورهم للحوار بضمانات تحفظوا عليها، لربما تسهم في إزالة الشبهات التي تدور حوله. إذن أي حوار وطني يجب أن يُراعى مطالبات الواقع السوداني المعقد والمتشابك بعضها ببعض، ومن المهم أن يدرك الحزبان أن الحوار إذا كان المقصود منه توحيد الإسلاميين في مواجهة الآخرين وتمكينهم من الحكم، فإن ذلك لن يقود إلى حل أزمات السودان التي استعصت وتشعّبت وتأقلمت ومن ثم تدولت، حتى أصبحت مفاتيح الحل في أغلبها خارجية وليست داخلية.

أم سلمة العشا
صحيفة الغنتباهة