الصادق الرزيقي

داء.. ولا دواء ..!!


> أمر محيِّر حقاً ..!هل تفقد الصحافة السودانية رونقها وطعمها..إذا استمر الحال على ما هو عليه.
> فقد تلاحظ خلال الفترة الأخيرة، أن الصحف التي تصدر في الخرطوم، تكاد تتطابق في عناوينها الرئيسة، وأخبارها ومعالجاتها الخبرية، حتى تظن أن الصفحات الأولى من الصحف، نسخة واحدة مكررة. غاب السبق الصحافي في مجال الأخبار، ولم تعُد الصحف تحفل بالتميُّز والتفرُّد بما لديها من معلومات خاصة وأخبار من مصادر حصرية. فما يقارب العشرين صحيفة سياسية، تصدر كل يوم، لا يجد القارئ فيها من جديد، سوى الإخراج وألوان الصحف، وطريقة تبويبها وتصميمها، وتظل المضامين والمحتويات، وربما صياغة الأخبار واحدة.
> السبب في كل هذا.. يعود إلى تناقص وانحسار مصادر ومظان الأخبار، والقيود التي تفرضها بعض الجهات والوزارت والمؤسسات على المعلومات والأخبار، وصوم كثير من المسؤولين وقيادات الدولة عن الكلام المباح، وهذه أزمة كبيرة تهدد الصحافة كمنهل مهم من مناهل المعلومات، وينبوع متدفق بالأخبار. فكلما حجبت الدولة ومؤسساتها والمجتمع أخباره ونشاطه، وغطى عليها برداء الصمت، كلما وجدت الصحافة نفسها أمام اختبار صعب، إما أن تتداول وتتناول وتنشر الأخبار الرسمية الشحيحة التي ترد في وسائل الإعلام الرسمية، وكالات الأنباء التي تقدم أخبارها كوجبة جاهزة، أو تلجأ إلى صناعة الشربات من فسيخ المعلومات التي لا تقيم الأوْد وتنشرها على الناس، وترضي من الغنيمة بالإياب.
> بالفحص والتدقيق للصحف خلال الفترة الماضية، يمكن ملاحظة أن التحكُّم في المعلومات والأخبار وملاحقة الصحفة ومصادرتها وضربها «على قفاها»، جعل الصحافة تأخذ حذرها وتلجأ إلى الحيل الصحافية المعروفة في تعمية الأخبار ونشرها مُبهمة، وإعطاء نصف أو ربع أو قل عُشر الحقيقة، خشية أن تصادر أو تُعطَّل أو توقف، فضلاً عن كون الصحافة نفسها بسبب ظروفها الخاصة المتعلقة بإمكانياتها وقلة مواردها وضعف إمكانياتها لا تستطيع ملاحقة ومتابعة سيل الأخبار المندفع على مدار الساعة، والوصول إلى مواقع الأحداث بصورة فورية وعاجلة.
> إن الصحافة الورقية، باتت تعاني من أزمة حقيقية بسبب هذا العامل المسيطر على فضائها وخارج عن إرادتها، لكن سبب آخر يعلمه الصحافيون جيداً له أثره البالغ على هذه المهنة. فوسائط وشبكات الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل (تويتر، وفيس بوك، وواتس اب)، باتت تُشكِّل تهديداً مباشراً لصناعة الأخبار، وسبقتها إلى ذلك القنوات الفضائية، وهذا أمر لابد منه في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات التي تجتاح العالم اليوم، لكن هناك ملاحظة جديرة بالانتباه، تحدث هنا في بلدنا، فالصحافيون بأنفسهم يدمرون صناعة الأخبار، وصار الصحافي لا يستطيع أن يحتفظ بأية معلومة أو خبر أو حدث يشهده أكثر من دقائق معدودات، ولا يترك شيئاً منه لصحيفته لتنتفع به عندما تصدر صباح اليوم التالي، فيعمد الصحافي على الفور إلى إنزال وتوزيع ونشر ما لديه من معلومات وأخبار على كل المجموعات في شبكات التواصل الاجتماعي، ويتبرع بما لديه وهو لا يدري أن مهنته وقواعدها وسلوكها قد ضُربت في مقتل، وهو يقدم خدمة سريعة وعاجلة ومجانية ودون جهد ومسؤولية. وبدأت الأخبار كمادة صحافية بهذا النوع من السلوك غير المُرشَّد، تفقد قيمتها الحقيقية على صفحات الصحف، وتفقد خاصيتها المرتبطة بما يُسمى بـــ(تزمين) الأخبار والتفنُّن في جعلها طازجة كأنها خرجت للتو من فرن ملتهب وساخن.
> لهذين العاملين، دور فاعل في تهديد الصناعة الخبرية، ومن ثمَّ جر الصحافة الورقية إلى المسلخ!. فالعامل الأول المرتبط بمصدر الخبر الرسمي وتصريحات صُنَّاع الأحداث والتضييق وقهر الصحافة الدور الأبرز. أما العامل الثاني، فيبدو أن حمى التسابق الإلكتروني والشوفونية الاشهارية والتبرُّع الأخرق في تقديم المعلومات والأخبار على طريقة الوجبات السريعة، جعلت منه عاملاً حاسماً يعجِّل بزوال سِحر الصحافة الورقية كمصدر رئيس ومهم من مصادر الأخبار.. نحن في وضع محيِّر للغاية.. فالأخبار تتراجع مقابل الرأي والحوار والتحقيق الصحافي وهذه أم المآزق!..