عبد الجليل سليمان

المويه ودق السيستم


كل صُحف الخرطوم الصادرة أمس، عدا واحدة، احتفت بخبر إقالة مدير هيئة مياه ولاية الخرطوم (محجوب الحلاوي) وتسكين (خالد علي) مكانه. بالطبع ولا مِراءَ في ذلك فإن الخبر يستحق أن يُرفع عنواناً يعلق على مشاجب كل الصحف، إذ أن هذه الخطوة من شأنها أن ترسل رسائل إلى مديري الإدارات المُختلفة بأنْ لا تهاون مع يتقاعس عن أداء عمله، وأن لا أحد (معقود) على وتد خيمة منصبه لا يغادرها إلاّ ويقتعلها معه كلها.

لا ينبغي لأحد أن يكون معصوماً من الإقالة، سواء كانت بسبب أو بدونه، فالذين مكثوا في مناصبهم أكثر من أربع سنوات ينبغي أن يغادروا حتى ولو أنجزوا إنجاز الفراعين وشيّدوا لنا أهرامات من النماء والرخاء والرفاهية وبسطوا من الأسلفت والحديد والخضرة ما يسر الناظرين.

نُشير هنا إلى أن إعفاء المُدير (الحلاوي) ينبغي أن لا يسر(العطشانين) كثيراً، وأن يمنوا أجوافهم بالارتواء ما أن تطأ قدما خلفه (خالد) أرض الهيئة، وأن خرير مياه الصنابير سيقول للنيلين اسكتا وأصيخا إلىّ، وأن (الدش ح يقد) الروؤس، فالإعفاء وحده لن (يضخ) المياه إلى الأنابيب، لأن المشكلة لم تكن في الحلاوي وحده، وإن كان يتحمل المسؤولية الأولى، وإقالته كانت واجبة.

طيٍّب، قد يسألك سائل: إذاً أين المشكلة؟ وما عليك إلاّ أن تُجيب بكل ثقة المشكلة في الـ(سيتسم). وهذه إجابة شافية كافية وافية ومحكمة. وهي ليست خاصة بهيئة المياه وحدها، بل متجذرة في (الخدمة المدنية) في كافة إدارات ووزارات البلاد التي أنهكها التمكين فجاء إليها بمديرين وموظفين لا يجيدون إلاّ الثرثرة الجوفاء والإدعاءات الزائفة بالإنجاز الذي يصل مصاف الإعجاز فيما الواقع ينضح رثاثة وبؤساً.

وهيئة مياه الخرطوم هذه، وحدها حكاية لا بداية لها ولا نهاية، أليست هي القائلة من قبل بأنها ستصدر مياه النيل إلى السعودية والخليج؟ سبحان الله من المدّعين!

بطبيعة الحال، وبصرف النظر عن زيف ادعاءات الهيئة و(تحصيلها) أموال الناس بالباطل إذ تنزع من جيبوهم مبلغاً شهرياً بمساعدة شقيقتها الكهرباء وهي ليست أفضل منها حالاً إلاّ (بنسبية هذا الصفة)، ولا تقدم لهم غير الشخير وضخ الهواء.

الناس عطشى في مدينة تنام على الماء من فوقها ماء وبين يديها ماء وتحتها ماء، أليس هذا أمر مؤسف ومحزن؟، إنه سوء التدابير وسوء الاختيار وغياب النظام، فلن ينفعنا خالد إذا ما أقيل (حلاوي) ما لم يتغير نظام الخدمة المدنية ويُطاح الذين جاء بهم الولاء ويؤتى بأصحاب الكفاءات، فإعفاء فرد واحد، لن يجعل الصلاة بالتيمم ذكريات تُحكى.

تذكرة: ما لم يغير والي الخرطوم أنظمة الإدارة في مؤسسات الولاية وهيئاتها فإن جودة الله والحلاوي وخالد، ستظل محض أسماء لظلال أشباح، لن يفعل أحد منهم أفضل مما فعل سلفه في ظل مؤسسات (داقة سيستم)، فارفعوا بناطلينكم الإدراية الناصلة، قليلاً، يرحمكم الله.