تحقيقات وتقارير

الفشل مبرراً للاقالة .. علاج ينتظره كثيرون


لم تكن الإقالة الصادرة بحق مدير عام هيئة مياه ولاية الخرطوم هي الأولى من نوعها، إذ أعلن الوالي السابق د. عبد الرحمن الخضر في يوليو من العام 2011م، عن قبول استقالة المهندس خالد حسن إبراهيم مدير عام هيئة مياه ولاية الخرطوم، بعد انتقادات لأذعة وجهها نواب المجلس التشريعي للمعالجات التي اتخذتها هيئة المياه في التعامل مع الأزمة التي كانت تشهدها العاصمة آنذاك، ولفتوا إلى أنها لم ترقَ لمستوى الحدث واتهموا المسؤولين بالتقاعس، كما حمّل أعضاء من المجلس التشريعي الهيئة مسؤولية القطوعات في الإمداد المائي بالولاية، وقالوا أنها تعاني من مشكلة إدارية في التعامل مع الأزمات، وأضافوا إنها تعاملت مع الحدث بتقاعس تام وعدم مسؤولية، ولفتوا لوجود خلل في المحليات في التعامل مع الحدث، واستنكروا عدم وجود أي مسؤول مع المواطنين أيام الأزمة لتخفيف المعاناة وتقليل الصدمة عليهم، وهو ذات السيناريو الذي تكرر في الأيام الماضية، وتسبب في إقالة المدير العام لهيئة مياه ولاية الخرطوم محجوب الحلاوي من منصبه.

البحث عن حلول:
الكثيرون يروا أن حل مشكلة المياه في مدن وضواحي ولاية الخرطوم، لا يكون بانتقال (الوالي) أو (المعتمد) إلى مواقع الاحتجاجات، ومخاطبة المتجمهرين من المواطنين على طريقة: (إذا الموية ما جاتكم خلال يومين، أنا ذاتي بأطلع معاكم المظاهرات)، ولن يكون الحل أن يقول الوالي، أو مدير هيئة المياه – لا فرق – فالأخير مسؤول كبير أيضاً في حكومة الولاية، إن (البَلِف) تم إغلاقه بفعل فاعل، وأنها مؤامرة سياسية، ومن المؤكد لن يكون الحل في إقالة مدير واستبداله بآخر، فالوالي الجديد الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين قد أصدر قراراً أمس الأول بتعيين خالد علي خالد مديراً عاماً لهيئة مياه ولاية الخرطوم بدلاً عن المدير السابق محجوب الحلاوي، وبحسب المعلومات المتاحة فإن مشكلة المياه ليست في المدراء، وإنما في شبكات المياه القديمة والمتهالكة، فمهندسي هيئة المياه لا تتوفر لديهم خرائط توضيح المسارات القديمة لخطوط أنابيب المياه، مما يضطرهم أحياناً إلى اللجوء إلى مراقبين وعمال من أولئك الذين تقاعدوا، قبل سنوات طويلة، ودخلوا في قوائم المعاش، فإذا لم يتم العثور على تلك الخرائط، ينبغي الاستعانة بشركات أجنبية (أوربية على وجه التحديد) واستجلاب أجهزة وبرامج (software) لتحديد أماكن شبكات المياه في ولاية الخرطوم، ومن ثمّ التعامل مع الخيارات والحلول الممكنة، بعيداً عن التهرب من المسؤوليات.

محاسبة المسؤول:
كشفت حكومة ولاية الخرطوم عن وضع خطتين لمعالجة مشكلات المياه جذرياً، الأولى قصيرة الأجل تنتهي في أبريل القادم، والثانية طويلة الأجل تنتهي خلال عامين، ومن جهته كشف العضو البرلماني قريب الله حماد، عن اتجاه لاستدعاء وزير الكهرباء والموارد المائية للمثول أمام البرلمان ومساءلته حول أزمة المياه بالخرطوم، بينما اتهم جهات _ لم يسمها _ بافتعال أزمة المياه بالولاية، وشدد على ضرورة محاسبة المسؤولين عن التقصير في معالجة قضية المياه، وأعلن قريب الله في تصريحات صحافية عن الدفع بمذكرة لمجلس الولايات لاستدعاء والي الخرطوم وسؤاله، وأبدى قريب الله استغرابه من حدوث مشكلة بالعاصمة، وقال: «لا يوجد مبرر للأزمة خاصة أن الخرطوم لا تعاني من مشكلة في مصادر مياه»، لافتاً إلى أن أسعار برميل المياه وصلت إلى أرقام خرافية، واستعجل الحكومة المركزية والولائية بالتدخل لحل الأزمة، وأضاف: «يجب إعادة إصلاح هيكل إدارة المياه لأن المسألة فنية».

العقلية السائدة:
البعض يرى أن أول مشكلة في استعصاء حل شح المياه بالخرطوم هو العقلية السائدة في إدارة الأزمة التي لا تعترف بوجود أزمة مياه، فكثيراً ما يخرج مسؤولو هيئة المياه عبر أجهزة الإعلام وينفون أزمة المياه في الأحياء برغم أن المواطن يرى بأم عينه خروج الجماهير في مظاهرات احتجاجية ويشاهد أيضاً عربات الكارو محملة ببراميل المياه؛ تجوب الشوارع إن لم يكن هو نفسه ضمن المجموعة المحتجة أو المشترية من الكارو، وعدد كبير من أحياء ولاية الخرطوم بدأت منذ اليوم الأول في الشهر الكريم تبحث عن المياه بسبب الانقطاع التام أو الجزئي عن منازلهم وهي مشكلة استعصى حلها، برغم تغيير المدراء العامين للهيئة أكثر من مرة خلال الفترة الماضية، مما يعني أن المشكلة ليست إدارة فحسب وإنما إنتاج المياه نفسه وزيادة الاستهلاك لولاية الخرطوم التي تستقبل المهاجرين من الولايات الأخرى بشكل منتظم، وهي أيضاً مشكلة خطوط عفا عليها الزمن ولم تتمكن الحكومة من تجديدها، ولكن برغم معاناة الناس ترفض الجهات المسؤولة الاعتراف بالمشاكل ولا تتعامل بمصداقية وتوضح الأسباب الحقيقية بغض النظر عن أنها مقنعة أم لا، لأن الشفافية تسهل أي حلول للأزمة بمنتهى الهدوء، فهيئة مياه ولاية الخرطوم تبدأ دفاعاتها بتصويب السهام نحو نبات الدمس الذي أصبح شماعة لتعليق إخفاقات مياه الشرب في ولاية الخرطوم، ثم تضيف إقالة مدير الهيئة وتقديمه (كبش فداء) لحل الأزمة التي تطاول أمدها، فهل سيكون حل معضلة المياه في إقالة محجوب الحلاوي وتعيين خالد علي خالد، الذي تمت اقالته من ذات المنصب قبل 6 سنوات أم للقصة فصول أخرى.

تقرير : أكرم الفرجابي
صحيفة ألوان