حوارات ولقاءات

جعفر بامكار ..حكايات رمضانية من بورتسودان


ونحن أطفال كنا نذهب فى وقت مبكر من العصر أيام رمضان إلى «خور ديم سواكن» لمشاهدة ضرب مدفع الآذان، حيث يأتي رجل يعمل على شحن الدلاقين داخل المدفع، ثم يشعل فيه النار، ويقوم بعد ذلك بسحب أحد أجزائه، بعد أن يطلب منا الإبتعاد قليلاً عن المكان، وقبل أن يضرب المدفع كان ينظر إلى مسجد بورتسودان الكبير، حيث كنا نراه من ذلك المكان بسبب عدم وجود أي مبان عالية، وحينما يضئ نور المسجد ويرتفع صوت الأذان يقوم الرجل المسؤول عن المدفع بضربه إيذاناً بموعد الإفطار، ويسمع دويه فى جميع أحياء المدينة الصغيرة في ذلك الحين، هذا التقليد استمر حتى بداية ستينيات القرن الماضي، حيث ظل المدفع يعمل طوال فترة الأربعينيات والخمسينيات، وهو على ما أظن تقليد نقله لنا المصريون، والفاطميون هم أول من عمل به.

الأستاذ جعفر بامكار الباحث فى تراث وثقافة البجا والسياسي المعروف، سليل أسرة بامكار محمد عبد الله، والده الخليفة الختمي الذي كان من أشرس المناهضين للحكم الاستعمارى فى مدينة بورتسودان وشرق السودان، وشقيقه السياسي الشهير هاشم بامكار صاحب الصولات والجولات المشهودة فى برلمانات السودان المختلفة، يمتلك جعفر بامكار ذاكرة حية تحمل أدق تفاصيل تاريخ مدينة بورتسودان فى عصرها الذهبى وحتى اليوم، تنقل فى العديد من مدن السودان وأكتسب معرفة كبيرة وإلمام بثقافة وجغرافيا العديد من المناطق الأخرى خارج الشرق فى ونسة رمضانية، قلبنا معه صفحات مشرقه وجميلة من تاريخ مدينة بورتسودان، فكان الحديث معه يحمل مذاقاً متفرداً.

٭ ذكريات الصبا

من الأشياء الجميلة الأخرى أيضاً زفة رمضان، وهى كانت حدث كبير تشارك فيه الشرطة والطرق الصوفية، وكانت تخرج من مبنى الظبطية «القسم الأوسط حالياً»، وتجوب شوارع المدينة، حيث يلتف حولها الأطفال وهم فرحون بقدوم شهر رمضان، كذلك من مظاهر رمضان المسحراتية وهم صبيان الحي الذين يطوفون فى الشوارع قبيل الفجر لإيقاظ الناس للسحور، وكانوا يأتون إلى المنازل فى اليوم الأول من العيد لياخذوا بعض الأموال. ومن المظاهر الجميلة أيضاً فى رمضان باعة السمبوسا والطعمية الذين يتجولون ببضاعتهم فى الأسواق والأحياء الشعبية خلال فترة العصر، حيث كانت لهم أغانيهم المميزة التى تعمل على جذب الزبائن، أيضاً كان مصنع الثلج فى بورتسودان أحد الأماكن التى تعج بالناس خلال شهر رمضان، وكان له صوت مميز، والناس كانوا يتهافتون على الثلج لأنه كان من الضروريات التى لايمكن الإستغناء عنها، من المعروف أن أشهر الصيف فى مدينة بورتسودان هى يونيو ويوليو وأغسطس، ولم يكن يصوم فيها إلا الذين يمتلكون القدرة على الصوم، ولايستطيع أصحاب الأعمال الشاقة الصيام فيها.

٭ حي ديم عرب

حى ديم عرب كأحد أعرق أحياء مدينة بورتسودان كان أغلب سكانه من عمال الشحن والتفريغ بالميناء «المزاورية» وكانوا يعانون من حرارة الطقس، وبعضهم يتعرض للموت بسببها، لذلك كانوا يفضلون العمل فى الليل حتى يتمكنوا من الصيام، لكن حينما تكون هنالك أعداد كبيرة من البواخر كانوا يضطرون للإفطار من أجل العمل خلال ساعات النهار، وحتى لايغمى عليهم، والذين يملكون بعض المدخرات من المال كانوا يسافرون إلى مناطق أخرى خارج بورتسودان مثل جبيت وسنكات وهيا لاسيما العوائل، أما الرجال فيظلون فى المدينة.

٭ قصة هلال رمضان

فى السابق كانت وسائل الإتصال متخلفة، والراديو كان نادراً جداً حتى فترة الإربعينيات، لذا كان سكان شرق السودان من البجا يعتمدون على رؤية هلال رمضان بالعين المجردة، وكانوا متمسكين جداً بالحديث الذى يقول «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» أيضاً كان لهم قادة من زعماء الطرق الصوفية يرجعون إليهم فى الأمور الدينية، ويأخذون منهم الفتاوى، وأولئك القادة كانوا متمسكين برؤية الهلال، ولم يكن هنالك من يعلم بأن السعودية أعلنت الصيام أو مصر لم تعلن الصيام، وحتى الآن هنالك من يتمسك برؤية الهلال من البجا على الرغم من هذا التطور لكنهم قلة قليلة.

٭ رمضان خارج بورتسودان

صادفت شهر رمضان أكثر من مرة خارج مدينة بورتسودان، ووجدت أن الفرق كبير ففي بورتسودان شهر رمضان لديه طعم مختلف حيث الصيام وسط الأهل والأحباب وتبادل الزيارات والإطلاع على أخبار الجميع، بالإضافة إلى ارتباطه بالتكافل ومساعدة الفقراء وتطييب النفوس، وليالي رمضان جميلة، حيث يحلو السهر والسمر.

٭ في ذلك الزمان كان الناس يقضون الأمسيات فى الأندية والقهاوي الشهيرة فى ديم عرب وأبوحشيش ويجلسون حتى وقت متأخر من الليل، لكن دخول التكنولوجيا لحياة الناس جعلتهم لايرغبون فى الخروج ويظلون متسمرين أمام شاشات التلفاز.

استمع إليه: عبدالهادى الحاج-اخر لحظة