رأي ومقالات

الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء


كان الوقت ليلا . ..توقفنا عند الاشارة الضوئية ..لفت نظري طفلين صغيرين لا يتجاوز اكبرهما الثامنة ..كانا يتجادلان بحيوية (نمشي لي داك احسن)..(ياخ دا اقرب)..قال لي شقيق زوجي الذي كان في استقبالنا عند العودة ..(يقصد العربية الورا عشان جديدة وسمحة ..لكن عربيتي دي نص عمر )..ذهبا الى العربة الخلفية ..ثم عاد احدهما الينا ..قال الطفل (مساعدة بالله)..مازحه محمد (انت ليه مشيت للعربية الورا في الاول؟ عشان جديدة يعني ؟)..قال الطفل بهدوء (لا ..والله ..كل العربات زي بعض..كلها في النهاية… اربعة عجلات)..خذوا الحكمة من افواه الاطفال ..شد ما اعجبني قوله …يجتهد البعض في هذه الحياة من اجل تغيير العربة وموديل السنة يقترضون من البنوك ..يدخلون في الأقساط ..وكلو ..في النهاية اربعة عجلات. …نتطاول في البناء .. ونجلب اعتي المهندسين وننتقي اجمل الخرط.. نرهن العمر في سبيل البيت ….وكلو ..في النهاية …اربعة جدران. …نتفنن في الاكل ونبتاع افخر اللحوم واندر الفواكه ..نرتاد أفخم المطاعم ..نتذوق اجمل الاكلات ..وكلو ..في النهاية أربعة عناصر. قيل ان هارون الرشيد سال احد علماء عصره قائلا (عظني ) وكان يمسك بيده كوبا من الماء ..فقال له العالم (بكم تشتري هذا الماء لو منع عنك؟)..قال الرشيد (بنصف ملكي)..قال العالم (وكم تدفع لو منع خروجه من جسمك؟)..قال الرشيد (اشتريه بنصف ملكي الاخر ) ..فقال العالم (انظر الى الملك الذي يضيع من اجل شربة ماء)…. عندما يتلى عليك تعليمات الهبوط الاضطراري من الطائرة في حالة حدوث طارئ ..يقولون لك بحزم ..اترك كل شئ ..حتى الحذاء واقفز …انظر كم ندفع في حذاء يضيع عند اول طارئ…. الحياة في مجملها لو أفرغناها من كل القشور التي تحيط بها والتي نقضي حياتنا في محاولة الحصول عليها …سنجد انها كما يقول اهلنا (النفس الطالع والنازل دا).
اذكر عندما كنا في الجامعة ..كنا مسافرين لقضاء عيد الفطر في عطبرة ..لم تجد رابطة الطلاب غير قطار لنقل البضاعة لكي نلحق عربتنا به ..يوم الوقفة وقمة السخونة ..اغلبنا كان صائما ..تحرك القطار في السابعة صباحا ..على امل ان نصل الى عطبرة حوالي الثالثة عصرا..شاءت الاقدار ان يحدث عطل بالقطار وتتقطع بنا السبل في الصحراء …قاربت الشمس على المغيب ..واسقط في يد الجميع …في اخر لحظات ..مر بالقرب من القطار (لوري) يحمل كمية من الرغيف الساخن ..توقف عندما رانا جالسين بالقرب من القطار …أعطانا كمية من الخبز وكيس ملئ بالطماطم الطازجة… عملنا ساندوتش قطع طماطم بدون حتى ملح …ماء الزير في القطر أضفنا له كل ما تبقى من بقايا الداخلية من حلومر وكركدي وتانج ..مخلوطا مع بعضه فكان (يخن عجب)…لو سالتني هل هناك ما اذكر طعمه في لساني الى الان ..لقلت لك.. تلك (الاكلة) في صحراء الشمال…. . ما الذي اريد قوله؟؟ تاهت مني الفكرة …… ولكنني استشعرت قول الفيتوري رحمه الله (دنيا لا يملكها من يملكها …اغنى أهليها سادتها الفقراء ..الخاسر من لم يأخذ منها ما تعطيه على استحياء …والغافل من ظن الأشياء …هي الأشياء)….جمعة مباركة …وصباحكم خير

د ناهد قرناص


‫2 تعليقات

  1. يذكرك الخير
    ذكرتينا الصيام في بلاد الغربة …وبلاد وبلاد ….ولكن رمضان في السودان أحلى رغم كل شيء