الطاهر ساتي

دوارة


:: صدقاً، فالظلم ليلته قصيرة..قبل عام ونصف، عندما استضافت ولاية الجزيرة مؤتمر (توطين رواية الدُوري)، ناشدتها بتوطين العدل أولا، ثم سردت ما يلي بالنص .. هي قضية خاصة وصغيرة، ولكن تفاصيلها تجسد أن توطين العدل بالجزيرة أيضاً بحاجة إلى مؤتمر كمؤتمر توطين رواية الدوري.. ممدوح ، من عامة الناس بالجزيرة، ويعمل موظفاً بمحلية الحصاحيصا..وذات يوم، ناداه المعتمد وأخطره أمام المدير التنفيذي ومدير مكتبه بأن فاتورة وجبة الإفطار التي تم إحضارها من الكافتريا ( فاتورة مزعجة)، وأن سعر الوجبة الموضح في الفاتورة (غير صحيح)، وكانت قيمة الوجبة (70 جنيهاً فقط لا غير)..!!
:: لم يقبل الموظف تشكيك المعتمد في ذمته، فسأله : ( إنت شاكي في أمانتي؟)، فرد عليه بمنتهى الوضوح 🙁 أنا ما شاكي ، بل أنا على يقين بعدم أمانتك)، هكذا كان الاتهام مباشراً أمام الشهود..فاستأذنه الموظف، وغادره إلى الشرطة للتحقق في صحة الفاتورة أو عدمها ثم تحديد الطرف المخطئ.. وتحرت الشرطة بإرسال أفرادها إلى ذات الكافتريا، وكانت النتائج ( صحة الفاتورة)، أي سعر الوجبة كان مبلغاً قدره ( 70 جنيهاً)..وبعد تأكيد صحة الفاتورة، توجه ممدوح إلى النيابة العامة ليدون بلاغاً ضد المعتمد تحت المادة (159)، إشانة السمعة..!!
:: وليس في الأمر عجب، فالكل – المواطن و المسؤول – سواسية أمام القانون، أو هكذا يجب أن يكون حال العدل في ولاية تحرص على ( توطين رواية الدوري).. ولكن، أحالت النيابة العامة بلاغ هذا المواطن إلى الإدارة القانونية بالولاية..وبدلا عن رفع الحصانة عن المعتمد ليتساوى مع المواطن أمام المحكمة، حولت الإدارة القانونية شكوى المواطن إلى والي ولاية الجزيرة شخصياً مع التعليق : ( للسيد الوالي، لاتخاذ ما يراه مناسباً).. هكذا تم خلط السلطات العدلية بالسلطات السياسية.. ولذلك لم يحدث شيء غير ( تعطيل العدالة)، فالوالي لم يتخذ ما يراه مناسباً أو رأى أن تعطيل العدالة هو (الأمر المناسب)..لم يرفع عنه الحصانة …!!
:: ولكن بعد عام ونصف فقط لا غير، ولأن الظلم ليلته (قصيرة جدا)، تم إعفاء هذا المعتمد عن المنصب، ولم يعد محميا بالحصانة الحكومية التي أعاقت (سير العدالة)..وهنا حرك المواطن ممدوح إجراءاته، وباشرت الأجهزة الشرطية والعدلية مهامها في ذات القضية، وزجوا بمن كان محميا بالحصانة في حراسة المحكمة العامة بالحصاحيصا.. أي في حراسة ذات المحلية التي كان – قبل أشهر – معتمدها ورئيس لجنة أمنها ..وعندما تساوت الكتوف ومرافعاتها أمام منصة المحكمة، خاطب المواطن قاضي المحكمة بالنص القائل: ( أما الآن، لقد عفوت عنه وتنازلت عن الشكوى)، وتم شطب الدعوى..عفوت عنه لأحظى بأجر العافين وليقف مع نفسه الأمارة، ولعله يتذكر أن الظلم ظلمات وأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، وأنه ليس من الكياسة و العدل أن يغتر المسؤول بمنصب أو سلطان في ( الدنيا الدوارة)، هكذا قدم ممدوح الدرس .. فهل من مدًكر ..؟؟