عبد الجليل سليمان

على غرار الغزوات


مساء الثلاثاء الماضي، لف الرجل عمامته السوداء بعناية وأسدل أحد طرفيها على ظهره، ودعا عبر رسالة صوتية نشرت على الإنترنت وأوردت وكالة (رويترز) مقاطعاً منها. دعا عناصر ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حول العالم، دعاهم إلى تنفيذ عمليات عسكرية (إرهابية) في شهر رمضان، على غرار الغزوات النبوية وتحويل الشهر الكريم إلى شهر وبال على الكافرين.

يبدو أن دعوة (طه صبحي فلاحة) الشهير بأبي محمد العدناني وهو المتحدث الرسمي باسم داعش، وجدت استجابة من خلايا التنظيم النائمة في تونس، الكويت وفرنسا، فأزهقت أرواح مئات الأبرياء من مصلين سياح ومدنيين آمنين، وموظفين في كل من سوريا (كوباني)، الكويت، تونس، وفرنسا.

مشهد دموي مُرِّوع، استهدف أبرياء في مسجد للمسلمين الشيعة في الكويت، والسياح الأجانب في ساحل سوسة التونسي وطال عمال مصنع للغاز في فرنسا. ما حدث في تلك البلاد، أعاد للأذهان ذلك الجدل القديم، حول ما الجهة المخوّل لها حق الفتوى والدعوة إلى القتال والخروج إلى الجهاد؟ هل هي الدولة ممثلة في أجهزتها ومؤسساتها أم الأفراد من الشيوخ والفقهاء وأئمة المساجد؟، وما الجهة المنوط بها (الجهاد)؟ إذا لم تكن المؤسسات العسكرية الرسمية التي تكون تحت إمرة (الحكومات) أي الجيوش؟

العراقي (أبو محمد العدناني) المولود في قرية (بينش) في محافظة إدلب سنة 1977م، والملقب أيضاً بـ(منجنيق داعش)، هو الذي يدعو شباب المسلمين أن حيا على القتل، فيما تبرطم المؤسسات الدينية بكلمات غير مفهومة، مبهمة لا هي إدانة ولا هي تأييد؟

للأسف، وفيما أعفى المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد بولاية الخرطوم، بعض من سماهم بالإئمة المتفلتين، لم يفتح الله عليه بكلمة إدانة لتلك الهجمات الإرهابية الغاشمة، وهكذا فعلت هيئة علماء السودان، حين كنا نريدها أن توضح – على الأقل – أن ما تم تنفيذه من هجمات إرهابية في شهر رمضان ليس على غرار الغزوات النبوية! وأن هذا لم يحدث في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأنه ليس من أهداف صوم المسلم أن يحول شهر رمضان إلى وبال على الكافرين، وإنما هو شهر الرحمة والتراحم والإنفاق وتدبر القرآن.

صمت الهيئات الدينية عن الحق، والاختباء عند الفزع بهذه الطريقة الغريبة يكسب أفعال وفتاوى تلك الجماعات المتطرفة نفاذاً وقبولاً لدى قطاعات مقدرة من الشباب، لأنها ستفهم من هذا التواطؤ بالصمت وكأنه موافقة ضمنية على أن ما فعلته داعش في الكويت وكوباني وتونس وفرنسا، هو اقتداء بصحيح السنة النبوية وفقاً لفتوى (منجنيق داعش).

لكن على المدى البعيد، سيتغير كل شيء، لن يستمر الشباب في القتال مع داعش، سينقلبون عليها حين يكتشفون أنها تخدعهم باسم الدين، وستفقد الهيئات (الدينية) الصامتة احترامها لديهم. حينها سنتحدث حديثاً آخر، إذا كنا لا نزال نمشي في مناكب هذه الأرض (الجهنمية).