حوارات ولقاءات

غازي صلاح الدين: مبدئياً نحن مع الحوار.. نسعى إلى سد أي فجوات في الاتفاق أو الفهم مع الشعبي


ثمة تضارب ـ إن جازت التسمية ـ ظهر في أفق موقف حركة (الإصلاح الآن) في ما يتعلق بعودتها للحوار والاستمرار فيه، هناك من يقرر نيابة عن الحركة وهناك من يتحدث باسمها، وفي كل الحالات يظل الموقف يشوبه شيء من الضبابية، وإن كان لعرابها دكتور غازي صلاح الدين العتباني رأي واضح حاول الرجل من خلال جلسة قصيرة ضمت عددا من الصحافيين بمقر الحركة الكائن في شارع عبيد ختم، توضيح الكثير من المفاهيم والمواقف.

بدا غازي حريصا كعادته في الخوف من النقل الخطأ لتصريحاته وما يدلي به من حديث سواء أكان مكتوبا أو منطوقا، يقول إن لديه تجارب جعلته يكون حذرا في الإدلاء بأي حديث، وفي هذا الحوار يجيب الرجل على تساؤلاتنا دون تحفظ ويزيل الكثير من الغبار العالق في جدران موقفه من الحوار وعلاقته بالقوى السياسية والخطوات المستقبلية وما بينهما من قراءات ناجزه لرجل عرف دروب ودهاليز الحكم والمعارضة على حد سواء.

* حركة الإصلاح الآن تهم بالعودة إلى طاولة الحوار؟

– أثبتنا أننا مع الحوار قولا وعملا وواضح أن الحوار أداره المؤتمر الوطني بفهمه الخاص ولذلك لم تنضم كثير من القوى السياسية إليه.. كان البعض منها موجودا وخرج؛ مثل حزب الأمة القومي.. نحن مع الحوار لكن لابد أن يستوفي المتطلبات ليكون حوارا حقيقيا، ولا يمكن أن يكون المؤتمر الوطني طرفا في الحوار والتعاطي معه، وأن يكون هو نفسه داخل الحوار ومشرفا عليه، وبالتالي لابد من التوافق على آليات الحوار وعلى قواعده وطريقة إدارته. ولكن الموقف المبدئي نحن مع الحوار، نحن لم نحمل سلاحا وسيلتنا إلى التغيير هي وسيلة سلمية.

* لكنكم شاركتم في الحوار؟

– شاركنا في الحوار كما لم تشارك جهة أخرى وكانت المشاركة بفاعلية ومشاركة في (7+7).

* (مقاطعة).. وماذا عن العودة للحوار الآن؟

– إذا كان الحوار القديم الذي شاهدناه فنحن لسنا جزءا من ذلك، والحوار لابد أن يستوفي كل المتطلبات الأساسية، وأن يكون عادلا.

* موقفكم هذا قديم أكثر من عام في ما يبدو، ولم تصل الحركة لقرار حاسم؟

– القرار ليس في يدنا وإنما لدى القوى السياسية، نحن ندلي بدلونا في هذا الأمر.. نحن مع الحوار الذي يستوفي الأساس والمبادئ التي تتفق عليها القوى، لسنا مع حوار جزئي أو ثنائي ولن نكون طرفا في حوار لا يستوعب كل القوى السياسية وليس لديه إدارة مستقلة.

* (مقاطعة) هل يفهم أن لديكم لقاءات مع قوى سياسية؟

– لم نتوقف من الاتصال مع القوى السياسية.. لدينا رؤى تم طرحها في “شتن هاوس” في ورقة كبيرة قلنا لابد أن يكون الحوار متحررا من أي سيطرة لأي حزب وأن يكون شاملا لكل القوى السياسية.. لسنا راغبين في حوار يستثني قوى سياسية دون الأخرى.. نحن مع حوار يقدم ضمانات للتنفيذ وفي إطار زمني محدد، لكن أن يفرض علينا حوار بمواصفات وقواعد وقوانين لم نتفق عليها هذا ليس حوار.

* يعني أنتم تضعون شروطا؟

– ليست شروطا لأن كلمة شروط إن وضعت في صياغها السياسي تعني محاولة لاستباق النتائج بمكاسب معينة؛ مثلا نقول نشارك لكي يمنحونا منصبا معينا.. هذه هي الشروط، ولكن عندما نقول تهيئة المناخ فهذا حق دستوري، وما يقال عن تهيئة المناخ للأحزاب يعني أن تتحرك وأن تجتمع وأن تخاطب وتكتب بحرية.. أليس هذا حقا دستوريا؟ هذه مطالب جوهرية وتسميتها بالشروط تنقص من قيمتها السياسية والأدبية.

* قوى الإجماع الوطني مثلا وضعت شروطا ما رأيك؟

– من حق قوى الإجماع الوطني المطالبة بتهيئة المناخ وبحوار شامل وكونها أتت من قوى الإجماع الوطني فلا يعني أنها خطأ.

* لكن المؤتمر الوطني رفض واعتبرها شروطا؟

– هل ندخل الحوار دون أي قيد؟ مثلا حوار ثنائي ونشوه المعنى الأصيل بأن يكون حوارا جامعا؟ قوى الإجماع تتحدث عن تفكيك النظام من خلال الحوار ونحن نتحدث عن إعادة بنية السياسة السودانية.. الاختلاف واضح، نحن بصورة واضحة مع حوار حقيقي، وكيف تتحاور مع شخص ويمكن أن تدخله السجن في أي لحظة؟ أدخلوا سياسيين السجون ولم يبرروا، كيف يكون حوار والبندقية موجهه لصدري؟!

* هل مقاطعة قوى الإجماع الوطني للحوار موقف صحيح في تقديرك؟

– مفهومة ومبررة، وصحيح أنه تقدير سياسي، أنا لم أتخذ نفس المواقف، لكنني متفهم جدا، وهم رأوا تأسيسا على المعطيات التي لديهم أن لا يشاركوا، ونحن رأينا حسب المعطيات التي لدينا أن نشارك.. كنا نظن أن الحوار سيكون حقيقيا مفتوحا، ولكن ثبت لنا من خلال الممارسة أنه ليس حوارا.

* عودة منبر السلام إلى الحوار ورفضكم العودة.. هل هذا انشقاق آخر في صف المعارضة؟

– ليس انشقاقا وهذه الأحزاب لم تكن موحدة تنظيميا وهيكليا.. هذه مواقف سياسية، ونحن حتى الآن مع الحوار مبدئيا.. المشكلة أن عددا كثيرا من المراقبين انطبع عندهم أن كلمة حوار هي التي يطلقها المؤتمر الوطني، وهذه الكلمة أي شخص يستخدمها، لكن الحوار عندما لا يستوفي متطلباته نضع قوانين وأسسا للحوار نلتزم بها جميعا؛ وأولها حيادية المنصة، وهذا حق طبيعي.. الذي حدث أن الحكومة أهملت الحوار وصرفته جانبا، وقامت بالانتخابات، والتي كانت جزءا من الحوار، وهذا يزيد من تحفظاتنا وشكوكنا من استيفاء المواصفات المطلوبة في الحوار.. نحن سنكون جزءا منه أم نستمر في حوار نحن نعلم سلفا أنه ليس شاملا ولا يؤدي إلى نتائج؟ فلماذا توهم المجتمع السوداني والرأي العام بأن هنالك حوارا هو لا يوجد؟!

* يؤخذ عليكم أنكم ساعدتم المؤتمر الوطني في تثبيت الحجة لأن يقول لا يمكن أن أحاور ناسا منشقين في داخلهم؟

– لا يوجد انشقاق

* لكن آلية 7+7 لا تمثلكم؟

– المؤتمر الوطني هو الذي سعى إلى شق الآلية، وهذا هو اعتراضنا أن الحكم هو الخصم يتآمر على المشاركين في الحوار، لذلك أنا قلت أتفهم موقف قوى الإجماع الوطني، لأنها قدرت سلفا أنه لا تكون هنالك مصداقية للحوار.. على كل حال نحن سنظل -حتى لو بقينا في الساحة وحدنا- أن ننبه أن الحوار الحقيقي الشامل -وهذا الحوار نحن جزء منه- نوضح موقفنا بكل الوسائل، ونجدد تأكيدنا أن أي حوار ناقص لن يؤدي إلى حل مشكلات السودان.. ينبغي أن نتذكر أن هنالك مشكلات رئيسة في السودان؛ الأزمة الاقتصادية، وحرب في بعض المناطق، بالإضافة إلى إشكاليات في العلاقات الخارجية، لن تحل إلا في نطاق صيغة قومية جامعة، توحد الجبهة الداخلية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال حوار شامل، وأي محاولات أخرى هي لصرف أنظار الرأي العام عن الحقيقة.

* هل سيقود تحقيق هذه المتطلبات إلى حوار ثنائي مع المؤتمر الوطني؟

– نعم، نحن نتحرك بآليات السياسة، وهي الاتصال والحديث، وهي الأداة الرئيسة، ونحن عبرنا عن موقفنا للرأي العام، ولكن هذا يتطلب منا من باب المسؤولية أن نسعى بهذا الرأي مع كل القوى السياسية، والذي سنفعله في الأسبوع المقبل الاتصال بالقوى السياسية؛ بما ذلك المؤتمر الوطني، وشرح وجهة نظرنا، والتدقيق. لأنه بصراحة أنا شاعر – تحت الضغط الشديد الذي يتعرض له السياسيون بالإجابة بلا أو نعم؛ هل أنت مع الحوار أو ضده؟ – يقع كثير منهم في إجابات مبهمة لا يستطيع أن يقول أنا مع الحوار المطلق، أو ضده، وبالتالي مناقشة التفاصيل مع القوى السياسية سيجلي وسيظهر ما يتفق عليه وما يختلف حوله. أنا متأكد أن الذين قالوا نحن مع الحوار دون شروط هم يقصدون حوارا شاملا، لكن لابد أن أستنطقهم شخصيا؛ وهل يقصدون الحوار بمن حضر بطريقة المؤتمر الوطني دون شروط؟ أنا متاكد الإجابة ستكون لا.

* منذ أن أعلنتم موقفكم هذا هل تلقيتم اتصالا من المؤتمر الوطني؟

– لا قبل ولا بعد.. المؤتمر الوطني مشغول بالانتخابات وتشكيل الحكومة.

* هل وجد موقف حركة الإصلاح الآن تجاه الحوار صدى لدى الوساطة الأفريقية؟

– نعم وجد، لأن ما ذكرته من مواصفات هي قياسية يمكن أن تنطبق على الحوار في أي دولة من العالم. لا أريد أن أدخل في حوار ليس متساويا فيه مع الطرف الآخر، وبالتالي ما يتبناه أمبيكي، وما ظهر في مؤتمر أديس أبابا، والذي فشل لعدم حضور المؤتمر الوطني، كان يحاول تجميع القوى السياسية كلها إلى مفاهيم ومبادئ أساسية تودي إلى الحوار.. هذا كان المطلوب في مؤتمر أديس.. المؤتمر الوطني غاب.. نحن ذهبنا بإحساسنا أنه منشط جاد، وبالتالي اتصالاتنا لن تتوقف عند القوى السياسية، ولكن ستمضي إلى أعلى مستوى، والقوى الإقليمية والعالمية التي تهتم بالشأن السوداني ستصلها آراؤنا.

* كيف تساهم القوى الإقليمية في الحوار؟

– التعويل على التحالفات الإقليمية -هي طارئة بكل المقاييس- هي لم تكن مستندة إلى تراث من التعاون والتحالف السابق.. العلاقة كانت سيئة في الماضي، فهي حالة طارئة ويمكن أن تتغير.. نحن نتحدث عن توحيد الجبهة الداخلية في السودان لأننا نرى أن هناك أزمة اقتصادية لن تحل إطلاقا في إطار الاقليم، ولن تحل مشكلة المحكمة الدولية وقوات يوناميد.. هذه قضايا كبرى، ونحن نتشاجر في حوار أن يكون كذا وكذا، بدل أن نعالج هذه المشاكل!

* هل أنت تطالب بحل آلية (7+7)؟

– آلية سبعة زائد سبعة ليس لي رجاء فيها وإذا حلوها “أو ربطوها وختوها في كيس”..

* موقف المؤتمر الشعبي؟

– المؤتمر الشعبي نعتبره مهما بنسبة لنا ولدينا اتصالات به ومع كل القوى السياسية نسعى إلى سد أي فجوات في الاتفاق أو الفهم. ولا أشك أن المؤتمر الشعبي من أوائل القوى التي سنسعى للاتصال بها.. أنا لم ألتق بقيادات المؤتمر الشعبي.. أرجح التلاقي بهم في أقرب وقت، ولكن أنا أميل لترجيح أنهم يتبنون نفس المواصفات التي نتبناها نحن في ما يتعلق بالحوار.. أنا لا أتصور أنهم يريدون حوارا جزئيا أو دون تهيئة المناخ.

* الأهداف مشتركة لكن الطريق مختلف؟

– أعتقد أن الأهداف مشتركة..

* اتساع دائرة الخلاف بين الاحزاب السياسية بصفتك خضت حوارات في صف الحكومة والمعارضة.. ما هي مقترحاتكم؟

– نحن منطلقون من مبدأ أن الحوار لابد أن يكون شاملا لكل القوى السياسية بما فيها الحاملة لسلاح. بل أعتقد أنه الأهم أن تأتي القوى الحامل لسلاح لأنها الممثل الأول الآن في أوضاع تلك المناطق.. إذا حازت على صيغة وطنية فأولوية الحوار إيقاف الحرب والبدء في إجراءات إيقافها وذلك من خلال العمل السياسي الخارجي.. مشكلة الاقتصاد والعلاقات الخارجية مربوطة بقضية الحرب، وإن لم تكن هناك إجراءات مؤمن عليها من جميع القوى السياسية والحكومة.

* هناك الكثير من القوى لديها خطتان إذا فشلت “أ” تتجه إلى الخطة “ب”، فما هو البديل بالنسبة لكم؟

– البديل نحن معارضة معيارية أخلاقية أي موقف يحتاج إلى توضيح نحن سنتصدى له ونوضحه ونظل نحاول أن نكون قوي تنويرية للرأي العام بحيث أنه لا يكون في النهاية أمام الحكومة إلا أن ترضخ وكل الوسائل المتاحة لنا وفق الدستور نحتفظ بحقنا في استخدامها.

* هل يوجد سبب أخلاقي في تقديرك يجعل المجتمع الدولي يشجع الحوار وهو من قبل ناصر الحركة الشعبية في حق تقرير المصير حتى تم فصل الجنوب؟

– علينا أن نبحث عن العناصر المتجاوبة معنا في المجتمع الدولي ونعلم أن هنالك اتصالات مع السياسيين بالخارج. ومشكلة جنوب السودان أصبحت عظة وهنالك قوى دولية كثير ندمت على ما حصل في جنوب السودان، لذلك يجب أن تنظر للسودان في السياق الغربي هل القوى الدولية تريد ربيعا عربيا آخر في السودان؟ الإجابة لا.. ليس لأنهم “حنينين” أو رفيقين بنا، ولكنهم يريدون أن يكون هناك وضع يتحكمون فيه، بالتالي هناك إرادة دولية من خلال الاتصالات، والرغبة هي أن يكون السودان مستقرا لكنه متوائم معهم مباشر، وفي اعتقادي ينبغي أن ننتهز هذه الفرصة في إدارة حوار حقيقي نستطيع أن نؤثر في هذه القرارات الدولية في اتجاه دعم السودان ومكافأته.. البديل هو التلاعب على قضية الحوار واستخدامها للكسب السياسي وبقاء عناصر الأزمة كما هي لا تقدم فيها ولا حلول.

* أنتم متهمون بميلكم إلى اليمين دون اليسار؟

– هذا ليس صحيحا، التقينا مع كل الأحزاب من قوى الإجماع الوطني، حزب المؤتمر السوداني والحزب الشيوعي لم نستثن أحدا وفي أديس أبابا التقينا الحركات المسلحة وهذا يتسق مع مبادئنا أن نقبل بعضنا في هذه المرحلة وبعد ذلك نختلف مع كل الأحزاب بعد أن يستقر الوضع

 

 

اليوم التالي