الصادق الرزيقي

فما الحل..؟!


> ليس بمستغرب، ما يحدث من بعض طلاب جامعة العلوم الطبية بالخرطوم، وقيامهم بالالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، خاصة الطلاب من الأسر الميسورة الحال، ومن يحملون الجوازات الأجنبية. فالقضية تحتاج إلى مقايسة أعمق ونظرة تستصحب معطيات كثيرة موجودة في الواقع السياسي والاجتماعي. فعلى مدار التاريخ، تظل حركات الرفض والاحتجاج والتمرد، تغوي أبناء ثراة القوم قبل ضعافهم وغمارهم، وتستقطب بشعاراتها وخطابها وأفعالها، الشباب الذين وجدوا الكثير مما تشتهي الأنفس في حياتهم، فيميلون إلى ملء أرواحهم من معين آخر، وتُغريهم حياة أخرى لم يألفوها ولم يعرفوها إلا في أحلامهم وعندما تحدثهم رغباتهم الدفينة لسبر أغوار الواقع ومعرفة الحقيقة والبحث عن الذات.
> ولنقرب الصورة أكثر ونأخذ مثالاً، ففي أيام الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي من العام 1979م، حتى نهايته في الهزيع الأخير من عقد الثمانينيات من القرن الماضي، كانت الحرب التي يخوضها الشعب الأفغاني ضد الدب الروسي يومئذ، تستقطب الشباب من البلدان العربية وظهرت مجموعات أطلق عليها فيما بعد (الأفغان العرب)، وكان جُل هؤلاء الشباب العربي الملتحق بالجهاد في أفغانستان في التنظيمات المختلفة، من دول الخليج ومن العائلات الغنية والثرية، ومن بينها من صار زعيماً لهذه المجموعات وهو أسامة بن لادن، الذي خرج من أسرة عظيمة الثراء والغنى، كل الدنيا التي كانت أمامه وفرص التعليم في أرقي جامعات الدنيا في الولايات المتحدة الأمريكية والحياة الرغدة، لم تعصمه وتمنعه من التحاف السماء والنوم على الأديم والتراب والصخور في أفغانسان، وحمل السلاح، وعدد كبير من أبناء الأسر الخليجية المنعمة وجدت بين طرفة عين وانتباهتها فلذات أكبادها في كهوف ووديان بلاد الأفغان في رحلة جهاد حفت بمخاطر انتهت في نهايتها إلى ما انتهت إليه، وكان هناك شباب من ليبيا وتونس وبقية دول المغرب العربي ومن مصر وأبرزهم أيمن الظواهري الطبيب الذي عاش في كنف أسرة غنية لا تشكو مسغبة ولا تئن من ضيق في العيش.
> هذه الظاهرة في حقيقتها، تستحق الدراسة باعتبار ظلالها النفسية والتكوين الوجداني والتمرد والرفض للواقع والحياة، هي أبرز دوافعها، وليس القناعات الفكرية وحدها، بل أحياناً تغلب العاطفة الجياشة لدى هؤلاء الشباب على القناعات المتولدة من التقديرات الذهنية القائمة على المعطى الموضوعي والواقعي.
> وقد تسبب الإحباط من الواقع السياسي والاجتماعي والقهر والاستبداد والظلم والغلو والإسراف في مباهج الحياة، في حالة كثير من (الأفغان العرب) المنخرطين في الجهاد الأفغاني سابقاً، في خروجهم على المجتمع وعن فكرة الإصلاح عبر المؤسسات السياسية والاجتماعية القائمة في ظل الأنظمة الحاكمة، وعبروا عن هذا الرفض والإحباط والتمرد، بمواجهة الغرب الذي يتحمل كل الخيبات والمصائب التي حلت بالعالم الإسلامي، وقد ظهر هذا في توجهات تنظيم القاعدة والجماعات الأخرى التي خرجت من أتون وغبار الحرب الأفغانية.
> أما بالنسبة لداعش، فلا غرابة في ما يجري أمامنا، فالطلاب من ذوي اليسر، هم أول من التحق بهذا التظيم مثل غيرهم من شباب الوطن العربي، وأذكر أننا في فبراير الماضي وجدنا في مدينة طنجة المغربية وهي من أغنى المدن في المغرب وأقربها إلى نمط الحياة الأوروبية والترف المادي، قد التحق شبابها وطلابها بتنظيم داعش، وقد أوجد ذلك جدالاً ونقاشات طويلة داخل المجتمع من تنامي هذه الظاهرة، وخلصوا إلى أن مردها الحقيقي هو أن نفوس هؤلاء الطلاب صغار السن، قد عافت لذائذ الحياة ومباهجها، وبدأت تبحث عن حقيقة أخرى للحياة وجدتها في التنظيمات المغلقة الغامضة المليئة بالرافضين والمحبطين من الحياة السياسية وسلوك الأنظمة.
> فالسؤال الأهم.. بما أنه ليست هناك رسالة فكرية أو قيمية أو مبررات فقهية تحملها هذه التنظيمات وتحشو بها عقول الطلاب وصغار السن الملتحقين بها، مع غرابة المسلك وحدة الخطاب ودوغمائية الموقف المتشنج وركوب الخطر ومواجهة القوى الكبرى، فهل هذه تناسب فورة الشباب وتزيد من من سمك الغلالة التي يضعونها على عقولهم وقلوبهم وتحجب عنهم رؤية الأشياء كما هي، ولا يبصرون عراك الحياة على حقيقته.. فما الذي يجعل طلاب لم يتجاوزوا بضع وعشرين سنة أو أقل، يتركون أسرهم ووطنهم وواجباتهم ومستقبلهم ويسافرون للالتحاق بالمجهول..؟
> إننا أمام ظاهرة متكررة في التاريخ وفي عصرنا الراهن عايشناها وعرفناها، فما الحل..؟