سعد الدين إبراهيم

نوافذ نضال المشرعة‬


‫أول مرة أعرفها من أبيات أرسلها لي في رسالة هاتفية مولانا “السمؤال خلف الله”.. بدون اسم.. قرأت‬
‫ما شكره كوني أغني فيك ولا حقو أفرح بي غناك‬
‫من حقك.. أني اغني ليكا وأحمد المولى البراك‬
‫يا زول وكت يمطر غناي الغيمة بتطل من سماك‬
‫من حقك انو الكون يجوط ويتشابي كان يلحق بهاك‬
‫فسألته من الشاعر.. كتب لي هي شاعرة اسمها “نضال الحاج”.. أعجبتني الجرأة في استخدام المفردة.. لاحظت أن كلمة (يجوط) هذي لا يمكن أن تكون شاعرية على الإطلاق لكنها استخدمتها في محلها تماماً فعبأتها بالشاعرية فاستمعت فيما بعد إلى قصيدتها التي ذاعت (أنا بكرهك) لم أتحمس لها. فقد بدت لي مصنوعة لأنني عرفت أنها مجاراة لشاعر شاب أعلن الكراهية على محبوبته لكني أيضاً لاحظت إعجاب الناس بالقصيدة.. ثم قرأت لها واستمعت لها في ندوات ده كله طالع من الشافعة دي!! لم تلفتني قصيدة بالعامية طيلة العام سوى قصيدة لها في أخيرة (المجهر) الأنيقة يوم (الخميس) الفات.. قرأتها أكثر من مرة.. وأنا اندهش من تعابيرها المتفردة.. هنديك بينة الروح.. حريم الريد.. مواعين روحي.. نقاط ضحكة.. القمر المصنقر فوق.. أضان الوجعة.. مصارين العشق.. سن الغنا العاجي.. شفع الأفراح.. تفاصيل لوني..‬
‫كما لاحظت أنها نظرت إلى التراث الشعري العامي أو بالأحرى المخزون الشعري المعاصر فوجدت تأثيراً لا يرى إلا بالمنظار المكبر مثلاً لأغنية “هاشم صديق” و”محمد الأمين”: أساور في أيدين طفلة بتحفظ في كتاب الدين فخرجت عبارتها “وبين هم طفلة بتذاكر” أيضاً تذكرت “وردي” و”إسماعيل حسن” في انتي ما بدوكى لي زولاً مسيكين.. إلا زولاً نخلو مزروع في البساتين في “مطمورة أبوك العمدة” وفي “رأيت ود خيار الملة” الطريف أنها استخدمت عبارة شعبية أحياها دكتور نافع ” لحس الكوع” فوضعتها في محلها تماماً (تضوق بالوجعة لحسة كوعاً إلا الحبة ما بتضوق”.‬
‫أذكر في السبعينيات في معسكر الجيلي لطلاب الثانوي الديمقراطيين كتبت قصيدة هزلية ختمتها بعبارة “وسعد الدين بعد دي الحالة أصبح ما هو سعد الدين” فأنتبه أحد الرفاق إلى استخدام اسم الشاعر باعتبارها ظاهرة جديدة على الشعر، فانتفخت أوداجي إلى أن قرأت قصيدة لـ”الأبنودي” يناجي ابن أخته فيذكر اسمه في بيت يقول: خالي عبد الرحمن كضاب.. المهم تناسيت الأمر إلى أن ذكرتني به “نضال” وهي تذكر في متن القصيدة اسمها ثلاثياً حين قالت: بت ماليه الكتابة جراح كتبت نضال حسن عبد الله رادت ود خيار المِلة.. في إيراد اسمها بهذه الكيفية جدة وطرافة أعجبني أيضاً أن نضال تكتب القصيدة العامية على غرار القصيدة العربية الحديثة ما يسمى بشعر التفعيلة في الشكل والمضمون والموسيقى وفي هذا ضرب من التجديد في القصيدة يشاركه فيها عدد من الشعراء والشاعرات الشباب.. أعتقد أن هذه الشافعة تستحق تكريماً.. فقد شجعت الشباب على ولوج هذا الفن اللذيذ.. وامتطت درباً ساقت به رفاقها فأجادوا وأبدعوا.. أتساءل في أي مدرسة تخرجت الشاعرة “نضال” فلا أجد سوى مدرسة نضال الشعرية.. عندما ظهرت احتج بعض الزملاء على الاحتفاء الزائد بها والبعض قرر أنها لا تستحق لكنهم مع الأيام أنا على يقين أنهم صفقوا لها‬.