مقالات متنوعة

محجوب عروة : دولار القمح وسعر الخبز


لا جرم أن تعديل سعر الدولار الذس أصدرته وزارة المالية مؤخراً والذي يتم به استيراد القمح من 2900ج الى أربعة ألف جنيه سيرفع من سعر رغيف الخبز وسيؤثر حتماً على الفقراء والمساكين فهذا يعني بلغة الاقتصاد رفعاً للدعم عن الخبز بنسبة تفوق 25%.. قيل إن هذا القرار جاء بعد دراسة التكلفة قامت بها لجنة خاصة مكونة من وزارة المالية والصناعة وبنك السودان وإدارة المخزون الاستراتيجي والأمن الاقتصادي بمشاركة من ممثلي المطاحن الرئيسة التي تستورد القمح. إنني أفهم جيداً أن السبب الرئيس الذي دفع هذه اللجنة لاتخاذ مثل هذا القرار الخطير هو خفض تكلفة الدعم الذي تتحمله وزارة المالية ومن ورائها الحكومة على الموازنة العامة وعلى الاقتصاد القومي بشكل عام، ومن نافلة القول إنه من المستحيل على هذه اللجنة ألا تكون أخذت ضوءا” أخضر من القيادة السياسية في البلاد لأن قرارات مثل زيادة العبء على المواطن خاصة في سلع كالخبز والسكر والبترول تهم القطاع الأكبر من الشعب السوداني الذي تجاوزت فيه نسبة الفقر الى أكثر من نصفه إذا تسامحنا في هذه النسبة إن لم نقل أكثر من ذلك بكثير ولهذا يعتبر الناس أن هذه السلع هي سلع سياسية أكثر من كونها سلعاً اقتصادية بحتة، وفي علم الاقتصاد تعتبر من أكثر السلع التي تحدث آثاراً تضخمية كبيرة لأن الخبز والسكر من أكثر السلع التي يستهلكها غالبية الشعب والبترول يزيد من تكلفة الإنتاج ويؤثر سلباً على الصادرات. والآن دعوني أقول رأيي صراحة في مفهوم الدعم نفسه ثم أتساءل وأجيب: هل كان مفروضاً على هذه اللجنة ومن ورائها الحكومة كمخطط للسياسات الاقتصادية أن تتخذ هذا القرار القاسي أم إن هناك بدائل وحلول أخرى؟ هذه أسئلة مشروعة أحاول الإجابة عليها بموضوعية ومحاولة إعطاء بدائل أفضل من وجهة نظري. أولاً مبدئياً ضد مفهوم الدعم وطريقته التي سادت منذ سبعينات القرن الماضي تحت مسمى رفع المعاناة عن كاهل الجماهير حيث ظلت تتحمل الموازنة العامة فوق ما تستطيع وتنوء بذلك الدعم الذي في تقديري استفاد منه الأغنياء أكثر من الفقراء حيث أن الدعم يوجه لهما معاً في نفس الوقت وربما كان الدعم المتقاطع هو الأفضل حيث أن الفرق في السعر الحقيقي لهذه السلع يفضل أن يعطى نقداً الى الفقراء ليغطوا الفرق بين السعر الحقيقي بدون دعم ولكن كما عرفنا في دراستنا في علم المالية العامة وعلم الضرائب خاصة أن هناك مشكلة كبيرة فيما يطلق عليه التناقض بين العدالة الضريبية والإدارة equity vs administration ذلك أنه من الصعب جداً على الدولة أن توفق بينهما، فما هو عادل قد لا تسهل إدارته ولذلك يضطر صاحب القرار الى منهج المساواة المطلقة وهنا تأتي المشكلة إذ يستفيد الغني ويتضرر الفقير ذلك أن الضريبة غير المباشرة تساوى بين الغني والفقير حيث تقع على كليهما فيتحملها الغني ولا يتحملها الفقير وكذلك الدعم يستفيد منه الغني معاً، وليس في ذلك عدالة للفقراء. إذن تسبب الدعم تشوهات واضحة على الاقتصاد القومي حين كلف الموازنة الكثير وعلى المستوى الاجتماعي حين ساوى بين الأغنياء والفقراء. وبالمناسبة هذه مشكلة واجهت كل الدول والمجتمعات النامية الفقيرة خاصة. إذا اتفقنا على أن الدعم غير عادل ويضعف ويشوه الاقتصاد فكيف تحل المشكلة هل يا ترى عبر الدعم المتقاطع للفقراء وحدهم والذي قد تصعب إدارته أم ماذا؟ وإذا رفعنا كيف تحل مشكلة الفقر والعطالة والتضخم والكساد الاقتصادي هذا المربع الكريه والوحوش الكاسرة التي أنشبت أظفارها في اقتصادنا؟ إن مثلث الفقر والعطالة والتضخم يضرب الفقراء والمساكين في مقتل والكساد يضرب الأغنياء ويحيلهم إلى فقراء.. ما هي الحلول وما البدائل لرفع الدعم؟ دعوني أواصل غداً ولكن دعوني اليوم أن أذكركم بمثل عربي يقول: (أم الجبان لا تحزن ولا تفرح) لعلنا نستفيد منه اقتصادياً.


تعليق واحد

  1. أين مطاحن الغلال الوطنية .. غلة الشعب لماذا تحتكر من فلانين .. لماذا لا تنشا شركة كبيرة بحجم السودان ويساهم فيها كل المواطنين تزرع وتطحن وتخبز . لماذا لايكون هناك طريق ثالث غير هذا الخبر اصحاب المطاحن واصحاب المخابز كامشة الخبز منتفخة الجيوب .