تحقيقات وتقارير

إفطار الأقباط .. (النفاجو فاتح ما بين دين ودين)


رغم هنات تحدث هنا وهناك، ما يزال السودان يمتلك سجلاً حافلاً من التعايش الديني، يؤرخ لذلك تاريخ طويل، وجغرافيا حي المسالمة الأم درماني العريق، وحاضر بموجبه تحول الثاني عشر من رمضان يوماً للأقباط، على حد حديث الرئيس البشير.

وبوقتٍ انقدحت سيرة التطرف على نحو لافت، حوّلت الطائفة القبطية الأنظار إلى قيم التسامح بإقامتها لإفطارها السنوي للمسلمين حيث يدوي صوت الأذان داخل مقار أنصار المسيح عيسى عليه السلام في تمثل واضح لأبيات الراحل محجوب شريف: (النفاجو فاتح ما بين دين ودين .. نفحة محمدية دفئاً كالضريح .. ميضنة كم تلالي .. نوراً في الليالي .. مجداً في الأعالي .. مريم والمسيح).

توقيعات

سنعيد السودان إلى سابق عهده بلداً للمحبة والتعايش وقبول الآخر

المشير عمر البشير

رئيس الجمهورية

الدين لن يكون سبباً في التفرقة بين السودانيين

الفاتح تاج السر

وزير الإرشاد والأوقاف

الصيام يعني محبة الخير والغير، وفي رمضان يعم الخير الجميع دون تمييز

الأنبا صرابامون

مطران الخرطوم وأم درمان

ديباجة لتأسيس التسامح الديني

الخرطوم: ماهر أبوجوخ

درج أبناء الطائفة القبطية على إقامة إفطار رمضاني سنوي، يكون ضيف شرفه الرئيس عمر البشير، والذي يحرص على حضوره وليس انتداب أي من نوابه أو مساعديه، وذلك لكون المناسبة سودانية ذات طابع اجتماعي يجسد قيم التعايش، ولذلك فإن الإفطار تتجاوز دلالته الشكل السياسي لما هو أكبر وأعمق ويرسخ في الأذهان بأن الأقباط جزء أساسي ومهم من مكونات النسيج الاجتماعي السوداني القائم على التعدد.

حقبة نميري

يعتبر عهد الرئيس السابق المشير جعفر نميري، الحقبة الوحيدة التي شغل فيها الأقباط حقائب وزارية فبجانب موريس سدرة شغل د. وديع حبشي وزارة الزراعة منتقلاً إليها من موقع وكيل الوزارة وشهدت الأيام الأخيرة لحكم نميري شغل منير إسحاق لمنصب وزير الزراعة لحكومة الخرطوم الإقليمية، ومن بين الشخصيات القبطية البارزة هو وزير الدولة والمستشار القانوني لرئيس الجمهورية د. يوسف ميخائيل.

لكن في ذات الوقت فقد شهدت السنوات الأخيرة من حكم نميري بداية هجرة الأقباط إلى الخارج بسبب عدة عوامل ارتبط بعضها بسياسات تم انتهاجها من بينها وقف استيراد القماش وهي المهنة التي كان يمتهنها الأقباط، إلا أن إعلان تطبيق القوانين الإسلامية في سبتمبر 1983م مثل سبباً إضافياً وأساسياً لتحفيزهم للهجرة الخارجية، وهي التي تكررت مرة ثانية بعد إعلان الإنقاذ لتوجهاتها الإسلامية في أوائل تسعينات القرن الماضي.

داخل الحزبين

كغيرهم من أقرانهم السودانيين فإن الأقباط شاركوا في النشاط السياسي إبان فترة الاستعمار بالانتظام في جمعية اللواء الأبيض التي قادت ثورة 1924م، حيث تعرض العاملون منهم بمصلحة البريد والبرق للفصل الجماعي بسبب مساندتهم وتعبيرهم لمطالب ثورة 1924م.

عند انتظام الحركة السياسية السودانية في البلاد بعد إنشاء مؤتمر الخريجين، ومن بعد تكوين الأحزاب السياسية؛ فإن عدد من أبناء الطائفة القبطية اختاروا الانضمام للحزبين التاريخيين ممثلين في حزبي الأمة والوطني الاتحادي إلا أن ارتبطاهم أكثر بالثاني ولعل مرد ذلك تاريخي بسبب المعاناة التي عاشوها إبان حكم الخليفة عبد الله التعايشي الذي جمعهم في هجرة غير طوعية بأمدرمان في المسالمة أو المسلمانية، ووقتها حاول إدخالهم الإسلام ولعل أبرز الشخصيات القبطية بالوطني الاتحادي هو وديع جيلي موسى الذي كان عضواً بالمكتب السياسي.

رغم ما أشرنا إليه سابقاً من ميل أقباط أمدرمان تجاه الوطني الاتحادي، ولاحقاً الحزب الاتحادي الديمقراطي – بعد وحدة حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي مجدداً- فإن بعض الأقباط اختار مساندة حزب الأمة، حيث اشتهر فكري عازر بإسهامه داخل صفوف حزب الأمة في ما ظل جوزيف لطيف صباغ وحتى وفاته مؤخراً عضو منتخباً من المؤتمر العام الذي عقده حزب الأمة في عامي 2003م و2009م عضواً بالمكتب السياسي للحزب.

صوب اليسار

لم تقتصر مشاركة الأقباط السياسية على الحزبين وإنما انخرط بعضهم ضمن صفوف اليسار والحزب الشيوعي السوداني ولعل أبرزهم د. موريس سدره الذي يعتبر أول قبطي يشغل موقع وزير بتوليه لحقيبة الصحة بعد انقلاب 25 مايو 1969م.

خلال انتخابات 1986م فإن الإسلاميين اعتبروا أن كتلة أصوات الأقباط بدائرة العمارات كفلت الفوز لمرشح الحزب الشيوعي د.عز الدين على عامر في مواجهة منافسيه وهي الدائرة الثانية التي فاز فيها الحزب الشيوعي بالخرطوم بجانب دائرة السكرتير السياسي للحزب محمد إبراهيم نقد.

مع (الوطني)

بعد استيلاء الإنقاذ على السلطة في يونيو 1989م فإن عدد من منسوبيها انخرطوا ضمن نظامها أبرزهم الأب فليثاوس فرج الذي عين بالمجلس الوطني الانتقالي، وبعد التوقيع على اتفاق السلام الشامل فإن الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د.صفوت فانوس بات عضواً بالبرلمان عن كتلة المؤتمر الوطني ووقتها تردد أن الحركة الشعبية عرضت عليه الوجود تحت قبة البرلمان ضمن كتلتها البرلمانية، إلا أن فانوس اعتذر واختار الوجود ضمن الكتلة البرلمانية للوطني، حيث يشغل حالياً عضوية المفوضية القومية للانتخابات.

خاض رجل الأعمال جوزيف مكين اسكندر انتخابات 2010م ضمن القائمة الحزبية لمرشحي المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم ونجح في دخول المجلس الوطني، أما في الانتخابات التي اجريت في شهر أبريل الماضي فقد جاء ترتيبه العاشر بقائمة (الوطني) مما أتاح له دخول المجلس الوطني مجدداً.

في سلك الجندية

لم يقتصر عطاء الأقباط على المستوى السياسى وبالخدمة المدنية والأنشطة التجارية والاقتصادية فكانت لديهم إسهامات على مستوى القوات النظامية أبرزهم العقيد ركن سليمان ميلاد الذي تخرج من الكلية الحربية السودانية قبل أن ينضم في تسعينات القرن الماضي لقوات التحالف السودانية بقيادة العميد ركن عبد العزيز خالد، وشغل ميلاد قيادة اللواء الموحد لقوات التجمع الوطني الديمقراطي بالجبهة الشرقية، ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن وجود الأقباط بالتحالف لم يقتصر على ميلاد، إذ شهد المؤتمر العام الثاني للحزب في يوليو 2001م انتخاب قبطي ثان هو غابي فايز غبريال –ينطقها البعض (قابي)- عضواً للمكتب التنفيذي لحزب التحالف الوطني السوداني/ قوات التحالف السودانية.

بجانب ميلاد فإن شخصيات قبطية أخرى كانت ذات إسهام على مستوى القوات النظامية لعل أبرزهم اللواء طبيبة أميرة ديمتري والتي تعتبر أول امرأة سودانية يتم ترقيتها لرتبة اللواء بالقوات المسلحة، أما على مستوى الشرطة يوجد اللواء شرطة لويس سدرة – وهو شقيق د.موريس سدرة- الذي ارتبط اسمه بإنشاء المعمل الجنائي وإدارة الكلاب البوليسية بالشرطة.

الصيحة