الصادق الرزيقي

بــــين نـــــاريــن !!


> فرضت الظروف السياسية والواقع الإقليمي والدولي، وتشابكات العلاقات الخارجية، على السودان موقفين غريبين، كان بالإمكان أن يكون السودان قريباً وليس غريباً عن ما يجري في مصر ودولة جنوب السودان، وقلنا من قبل إن محاكاة الموقف اللبناني من الأزمة السورية الذي أجمله رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي (سياسة النأي بالنفس)، يمكن أن تكون سياسة مفهومة بالنسبة للخرطوم، لكنها على المستوى البعيد قد لا نجني منها أية ثمار..
> قضية الصراع والحرب في دولة جنوب السودان التي كانت جزءاً منا، والأوضاع الداخلية المصرية المتردية إلى هاوية النزاع والمواجهات والصراعات والتي ستؤدي إلى مزيد من التعقيد، نجد أن السودان بعيد عنها ولا يعبِّر إلا كما تعبِّر الكثير من الدول عن مجاملاتها والتعبير باللغة الدبلوماسية الراقية عن موقف حكومي، قد لا يكون هو في الأساس موقف عامة الشعب وقطاعاته الحية التي ترى في ما يجري في أرض الكنانة غير ذلك..
> ففي كلا الموقفين، يحتاج السودان إلى قيادات مبادرات تقود إلى حلول مقبولة في كلا البلدين، فدولة جنوب السودان، أُبعدت من تأثيرنا تماماً، وأصبحت تحركاتنا بشأنها تتم عن طريق هيئة الإيقاد، وهي تتولى الوساطة بين طرفي النزاع والحرب، وعندما تدخلت اطراف أفريقية في مسار آخر عبر مبادرة قادت إلى اتفاقية أروشا في تنزانيا في يناير الماضي، كان السودان وهو أقرب جار إلى الشعب الجنوبي وهو البلد الأم للدولة الجديدة، كان بعيداً عن أروشا التي تميزت بحضور دول أفريقية بعيدة لا تربطها الجغرافيا والتاريخ بأدنى صلة مع دولة الجنوب.
> وفي كل مراحل وتطورات الحرب الجنوبية التي قضت على الأخضر واليابس، وصدَّرت مئات الألوف من الجنوبيين كلاجئين، لم نشأ أن نقوم بدور منفصل، وكان سيكون مقبولاً وفعالاً، لوقف الحرب الدامية وحقن دماء الشعب الجنوبي، تركناهم يقتتلون ويحرقون بلدهم، وسندفع نحن الثمن في نهاية الأمر بوجود حدود طويلة غير آمنة ومستقرة تتكاثر فيها المجموعات المسلحة وتتخذها حركات دارفور المتمردة وتمرد قطاع الشمال ملجأً لها، وتلوذ بها عند الضرورة، بالإضافة إلى تدفقات الهاربين من نيران الصراع والحرب.
> وحتى لو لم نقدم مبادرة منفصلة، فإن موقف إيجابي يُسهم مع آخرين في تسريع الحلول المنتظرة في دولة الجنوب ويحقق السلام ويوقف الصراع المُسلح، سيكون له أثره كما له ثمنه السياسي على الصعيد الإقليمي والدولي، وربما يُسهم في فتح الطريق لحوار جاد مع القوى الدولية حول دور السودان والإقليمي ومساهماته في تهدئة المنطقة وصياغة سلامها واستقرارها، وهو دور مطلوب تعلم كثير من القوى الدولية نجاعته وفاعليته وقوة انعكاساته في المنطقة.. لكن حتى اللحظة لا نتقدم صوب هذا الهدف..
> في مصر..لا يمكننا أن نتفرج على الدولة المصرية وتاريخها، وهي تنفرط وتتمزق بسبب أخطاء النظام الذي انقلب على الديمقراطية ووأدها في مهدها، وخلق بنفسه حالة من الصدامات والمواجهات لا يعلم مداها إلا الله، ويسعى إلى تصفية رموز وقادة التيار الإسلامي الذي هو عماد قوة مصر وانتمائها وأصالتها، فلو كان الموقف الرسمي هو النأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجارنا الشمالي، فإننا نستطيع وهذا من الوهلة الأولى، تقريب وجهات النظر بين الفرقاء المصريين مع من هم في قصور السلطة، ومن هم في غياهب السجون ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام الظالمة التي صدرت بحقهم.
> مصر على مفترق طرق الآن.. لم تستفد من التجارب التي سبقتها في ورسا واليمن وليبيا، فالمواجهات ستقود إلى دمار وخراب، ولا يظنن أحد أن أقوى تنظيم مصري جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن ينتهي ويتلاشى لو أعدم عدد من قياداته الراهنة.
> إن حركة عمرها يقارب التسعين عاماً منذ نشأتها في العام 1929م ومتغلغلة في وجدان الشعب المصري وفي نسيجه الاجتماعي والفكري والسياسي، وتمتلك قدرات تنظيمية هائلة، لن تُشطب من دفتر التاريخ بحبال المشانق والرصاص، ولا يمكن أن تكون جزءاً من التاريخ بإعدام واغتيال وقتل قادتها. فالأفكار والحركات الدعوية التي تقوم على العقيدة والفكرة، لا تموت ولا تستلسم، بل تنتصر. وهذا ما لا ولن تفهمه بعض الأطراف المصرية المتشنجة وتشتهي طعم الدماء وتتأهب للقتل، يجب أن تكون هناك نصائح ومبادرات قبل أن تهوي مصر إلى القاع.
> نحن في حالة البلدين الجارين الجار الجنوبي والشمالي، نرى اشتعال النيران فيهما، ونبتعد ولا نبالي.. فهل هذا هو الموقف الصحيح أن نظل بين النارين نراقب وننتظر؟!..