الصادق الرزيقي

الجنائية.. مواقف محبطة!


> حالة من اليأس في ما يبدو، أصابت المحكمة الجنائية الدولية، في ملف السودان الذي أعيا المدعي العام السابق والمدعية الحالية. وقد عبَّرت جلسة مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي لدى استماعه للتقرير الدوري للمدعية والذي تقدمه كل ستة أشهر، عن حالة التراجع والقنوط إلى درجة الإقرار بالعجز والفشل. وأردفت المدعية العامة السيدة فاتو بنسودة خيبتها بحديث مثخن بجراح الهزيمة لقناة الجزيرة بث أمس، لم تكن لياقتها الذهنية والمعنوية على درجة عالية تمكنها من جمع خيوط الوقائع المختلفة وتقديم إجابات ذات مضمون مقنع..
> في جلسة مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، استعرضت السيدة بسودة تقريراً من «10» صفحات تقريباً حول ما قامت به المحكمة الجنائية الدولية خلال الستة أشهر الماضية لتنفيذ قرار الدائرة الابتدائية فيها التي أصدرت أوامر في الحالة السودانية طالت رئيس الجمهورية واثنين من المسؤولين وشخص رابع.
> التقرير صادف الذكرى العاشرة للإحالة من مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة الجنائية الدولية بنص القرار «1593» الذي صدر في مارس 2005م، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم يتلقى المجلس تقريراً دورياً كل ستة أشهر من الادعاء العام للمحكمة حول مدى تعاون السودان مع المحكمة والإجراءات التي تتبع في تحركات المتهمين وزياراتهم للدول الموقِّعة على ميثاق روما المؤسس للمحكمة والدول غير الموقعة، وحثهم على تنفيذ أوامر المحكمة.
> الجلسة استمرت لساعة ونصف، في مداولات باهتة كالتي تجري كل مرة، بالرغم من أن عشرة من أعضاء المجلس الخمسة عشر من الدول هم أعضاء في المحكمة، وهذا لم يتوفر للمحكمة من قبل من وجود مؤيدين لها بهذا العدد في دورات مجلس الأمن الدولي، واللافت أن الدول الأعضاء الخمسة عشر من دائمي العضوية والعضوية غير الدائمة، لم يحضروا هذه الجلسة على مستوى المندوبين، عدا أسبانيا والأردن وشيلي. فكل الدول الأخرى بما فيها غلاة المتشددين ضد السودان مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، حضروا الجلسة على مستوى نواب المندوبين أو بحضروا دبلوماسيين بدرجات أقل من البعثات والمندوبيات، وكان الحضور نفسه مؤشر على طبيعة ونوع المداولات حول التقرير.
> وفوق هذا وذلك، لم يكن هناك اتفاق على أي مشروع بيان أو قرار، فعندما يكون هناك مشروع بيان أو قرار، تعقد الدول الأعضاء مشاورات خارج الجلسة قبل يوم او يومين حتى يتم الاتفاق على صيغة محددة متفق عليها، وبعدها يدخل الجميع الجلسة. فهذه المرة لم ترد أية نية من أي طرف لتحديد موقف يبدر عن المجلس. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حلفاء وأصدقاء السودان مثل روسيا والصين وبعض الدول الأفريقية ودول أمريكا الجنوبية، ظلوا يتصدون بقوة لأية مشروع قرار أو نقاشات تمهد لاتخاذ إجراءات إضافية ضد السودان، واستطاعوا جعل المداولات ونوايا التضييق على السودان على خلفية تقارير الادعاء العام صعبة وغير ممكنة، باعتبار أن المحكمة تستند على تهم بحيثيات سياسية محكمة ليس فيها ما يجلب العدالة ويحقق موجبات القانون، وعلى اعتبار آخر إن الأمور في هذا الصدد وصلت الى طريق مسدود.
> ولذا فإن الجلسة كانت مجرد (سوق كلام)، عبرت فيه كل دولة عن مواقفها السابقة، ويلاحظ أن الدول الأعضاء في المجلس وتمتلك عضوية المحكمة وعددها عشر دول، بجانب الولايات المتحدة غير العضو، لكنها تؤيد بشدة إجراءات المحكمة في مواجهة السودان.
> عبرت كل دولة عن تباينات واضحة في مواقفها مثل أنجولا وتشاد وفنزويلا وماليزيا التي ترأست الجلسة، فهذه دول أعضاء في المحكمة لكنها ضدها. وقال ممثل فنزويلا في مجلس الأمن، هذه المحكمة ليست التي حلمنا بها، لقد تحولت لأداة سياسية وقامت بتسيس القضاء، أما الولايات المتحدة فقد كررت نفس عباراتها المعتادة بدعوة السودان للتعامل مع المحكمة وعدم الإفلات من العقاب، ودعوة الدول بعدم استقبال البشير.
> خلاصة الجلسة، إن المجلس لم يتخذ أي موقف داعم للمحكمة، بل اجتمع فقط وأحيط علماً، وتداول في مواقف سابقة بنفس عباراتها بــ(نقطها وشولاتها)، وكان رد مندوب السودان بالإنابة السفير حسن حامد، قوياً ومفحماً تضايقت منه المدعية العامة أثناء الجلسة وتبرمت من عباراته وحججه الدامغة الفاضحة للمحكمة، وخطل ما تقوم به .. وفي نهاية الجلسة الخالية من أي موقف أو قرار أو بيان، وترك الأمور للتدابير التي تتخذها المحكمة مع الدول التي يزورها البشير وبقية المتهمين، وخرجت بنسودة من الجلسة محبطة ولم تدل بأية تصريحات في المكان المخصص للتصريحات الصحافية أمام قاعة مجلس الأمن الدولي في الممر والممشى العريض .