مزمل ابو القاسم

إعدام ميت


* استوقفني تصريح أدلى به الأستاذ عبود جابر سعيد، أمين عام مجلس الأحزاب، واتهم فيه دولاً ودوائر ومنظمات دولية (بعرقلة) مسيرة الحوار الوطني!!

* أين هو الحوار الذي يتحدث عنه السيد عبود؟

* فضلاً ضع لنا إصبعك عليه، لندرك أنه موجود، ونصدق أن هناك من يهم بالانقضاض عليه.

* مضى أكثر من عام منذ أن انطلقت دعوة الحوار، والتأم شمل قادة الأحزاب في قاعة الصداقة، ليتفاكروا حول كيفية إخراج البلاد من أزمتها، ويتفقوا على التحاور، سعياً لإقرار حالة توافق وطني، توقف الحروب، وتقود السودان إلى سلامٍ مستدام، وديمقراطية حقيقية، واستقرار سياسي كامل.

* توالت الدعوات، وتكاثرت اللقاءات، وتنوعت الآليات، قبل أن تصاب شرايين الحوار بالتصلب، ويدخل غرفة الإنعاش، متهماً بالسكتة الدماغية.

* ظلت مسيرته تتقدم خطوة لتتراجع خطوتين، حتى أصيب معظم المشاركين فيه باليأس، وقاطعته مكونات مؤثرة، رأت في إصرار المؤتمر الوطني على عدم تأجيل الانتخابات مؤشراً على عدم جديته في حل الأزمة بالحوار.

* انتهت الانتخابات، ولم يطرأ على ساحة الحوار ما يدفع النافرين منه للعودة إليه، ويغري أي دولة أو منظمة أو دائرة بالاجتهاد (لإعدام ميت)!

* حملت الدعوة الأولى للحوار وعوداً براقة، نصت على إطلاق حرية العمل السياسي، وفك أسر المعتقلين السياسيين، وتعزيز حرية الإعلام، وإقرار ما تفرزه طاولة الحوار، بما فيه تحديد الأمد الزمني للعملية، وتوصيف مخرجاتها.

* ما الذي تم تنفيذه من كل ذلك؟

* تكلست مفاصل المبادرة، وتعطلت آلية (7+7)، وتحولت العملية كلها إلى ما يشبه (حوار الطرشان).

* اندثرت (خارطة الطريق) التي أقرتها الآلية، وأخفقت جرعات (إمبيكي) التنشيطية في بعث (الجثة) من الفراش الذي همدت فيه.

* نجاح أي حوار بين متشاكسين يحتاج إلى جملة محفزات وطمأنات، تجعل من يشاركون فيه يوقنون بأنهم منخرطون في عملية (منتجة)، يمكن أن تفرز جديداً مفيداً، فهل ينطبق ذلك على ما يحدث في ساحة الحوار المتجمد الشمالي؟

* كنا نتوقع من المؤتمر الوطني أن يجدَّ في تحويل مبادرته إلى واقع، بعد أن عزز شرعيته بالانتخابات، وحصل على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان.

* ننتظر بعثاً جديداً لمبادرةٍ أشاعت جواً من التفاؤل، ومنحت السودانيين إحساساً بوجود جديد مفيد، يمكن أن يفتح الأفق المعتم على حل سلمي، يجنب البلاد والعباد مهالك التناحر، ويحقن الدماء في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ويقود السودان لمرحلةٍ جديدةٍ من التصافي!

* أول خطوة تستهدف إحياء المبادرة لابد أن تمر بمحطة البحث عن صيغة جديدة تجذب النافرين، وتطمئن المشككين، وتقنع المتمنعين بأن هناك شيئا اسمه (حوار)، ما زال فيه عِرق ينبض بالحياة!