الطاهر ساتي

انقلاب حميد ..!!


:: لتشرشل تعريف أنيق للنجاح.. (النجاح هو القدرة على الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماستك).. ماذا يقصد تشرشل بهذا التعريف؟.. بالتأكيد لا يقصد أن يرضى المرء بالفشل ويستكين إليه بحيث يتعمد تذوقه، بل يقصد ما هو أعمق وأنبل من ذلك بكثير.. فما يريده هو أن يؤمن المرء بشيء في غاية الأهمية، ويقرر أن يصنع شيئاً في سبيل تلك الغاية المهمة، وقد يفشل في محاولة الصناعة الأولى، وربما الثانية، ومع ذلك لا يتوقف عن المحاولة الثالثة أو الرابعة حتى يحقق تلك الغاية المهمة.. والتجارب الثرة والمبادرات الرائدة هي التي تنهض بالشعوب، وليس التقوقع في سجون (دا مستحيل، دا ما ممكن، دا ما بينجح).

:: والتغيير – بمعناه الشامل – ليس هو أن تذهب حكومة وتأتي أخرى من بحر ذات المفاهيم الكسولة مع اختلاف الشخوص والأحزاب، ولكن التغيير هو تغيير تلك المفاهيم بإلغاء بعضها بكل شجاعة وتطوير البعض الآخر باستخدام نعمة العقل بحيث يكون قلقاً وباحثاً عن الأفضل على مدار الساعة.. وما لم تنتهج العقول نهج إلغاء وتحسين المفاهيم- وهذا هو المسمى بالمبادرة – فلن ينجح الفرد والمجتمع ثم يرتقيا بالشعب والبلد إلى فضاء النهضة.. فليبادر الكل – حسب موقعه – إلى حد إثارة أتربة الدهشة في عيون الناس وعقولهم، وإن فشلت المبادرة الأولى، فاتخذوا أسباب فشلها منصة لإطلاق مبادرة أخرى.. يلا نمشي للموضوع، إن لم يكن هذا موضوعاً.

:: الثلاثاء الفائت، بخيمة الصحفيين، في لقاء الوالي بأهل الصحافة، قلت فيما قلت إن من كوارث القطاع الصحي (إدارة المشافي).. وإن إدارة المشافي صارت علماً يُدرس بالكليات والمعاهد العليا.. ويتخرج خريجوها بعد سنوات التعليم النظري والعملي بكيفية إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع الفريق الطبي العامل بذات المرفق.. ولكن هنا في السودان – والحمد لله على كل حال – ليس بمدهش أن نصرف على الطبيب ليتخصص في أمراض القلب أو الجراحة وغيرها من علوم الطب بحيث يصبح (نطاساً بارعاً)، ثم – فجأة – نحوله إلى (إداري فاشل)!!
:: و لكن الحمد لله.. أخيراً، أي بعد عقود من تلك التجربة الفاشلة، تلوح في الأفق (بارقة أمل) و(انقلاب حميد).. (30 دارساً لعلم إدارة المستشفيات على وشك إكمال تخصصهم، ليلتحقوا بوزارة الصحة الولائية، ويتم توزيعهم على المستشفيات، فيهم الطبيب وفيهم الصيدلي).. البروف مأمون حميدة، وزير الصحة بالخرطوم.. وهذا هو المطلوب، أي إدارة المشافي بواسطة الذين درسوا علوم الإدارة وتخصصوا فيها، وليس بواسطة الذين درسوا علوم الطب وتخصصوا في الأمراض.. فالطبيب السوداني بخير حين يتفرغ لمهنته (الطب)، ولكن تحت وطأة مفاهيم قديمة ومتخلفة تم تحويل هذا الخير إلى كوارث، وذلك تحويل هذا الطبيب البارع من (الطب) إلى (الإدارة).

:: فليمض البروف حميدة نحو الإصلاح الإداري بالمشافي بفصل الطب عن الإدارة.. وعليه أن يترقب صخباً ورفضاً لهذا (الفصل الحميد)، فالبعض – من جيل حنتوب وخور طقت – لا يزال يتقوقع في بئر مفاهيم تقليدية مفادها أن الأطباء هم أفضل خلق الله وأكثرهم علما ومعرفة بكل شيء، ولا تجوز إدارتهم بغير طبيب.. هؤلاء لا يحدقون في تجارب الدول والشعوب الناهضة.. لم تنهض إلا بمؤسسية تضع (العقل المناسب) في (الموقع المناسب).


تعليق واحد

  1. كلامك صاح وفهم حقيقي لمشكلة هذا البلد لكن هناك عنصران مهمان يجب الفصل بين الولاء الحزبي والوظيفه العامه والثانيه تفعيل دور الراقبه والمحاسبه لائ كان درجة قرابته اؤحسبه اؤجهته وقبيلته