تحقيقات وتقارير

دهابة جبل تبستي .. حكايات من عمق الصحراء الكبرى.. الذهب جعل الحركات الدارفورية تتخلى عن الحرب


مغامرون ومهربون وقصص بين النيجر والجزائر
نذهب ليلاً وهكذا نتحاشى الألغام الأرضية والطيران
هذا ما جعل الحركات الدارفورية تتخلى عن الحرب

قبل عامين بدأت الحكاية مع الصحراء.. على رمال جبل تبستي الواقع ضمن الأراضي التشادية عند ولاية زوارا، وهناك تسكن قبيلة توبو التي ينتمي إليها الرئيس الشادي السابق حسين هبري، يقع جبل تبستي في الصحراء الكبرى على بعد 280 كيلو شمال أبشي و135 كيلو عن النيجر و180 غرب الجماهيرية الليبية، كانت الأنباء تتوارى عن وجود كميات كبيرة من الذهب في عمق الصحراء، الناس تحكي عن تلك المنطقة وكأنها حكاوى من الأساطير القديمة، ولكن صفير الريح حمل معه حقائق أكد تلك القصص التي دفنت مع الحرب الليبية التشادية في ثمانينيات القرن الماضي، حيث إكتشف السكان الذهب في جبل تبستي، إلا أن السلطات أغلقت تلك الحكاية وطواها الزمن وظلت قصة من الماضي تلازم حكايات الحرب التي إندلعت بين الدولتين الجارتين، إسمه الأزهري الذي وصل إلى تلك الديار منقباً عن الذهب قبل سنتين إستقبل الناس القصة بين مصدق ومتحفظ عن الرواية التي إنتشرت بين سكان منطقة الطينة بولاية شمال دارفور والتي تقول إن الأزهري حصل على 12 كيلو من الذهب في منطقة تبستي التي تعرف بالرمال العالية بلهجة قبيلة التوبو قطعت قصة الأزهري الشك لدى المتردين عن حقيقة وجود الذهب في عمق الصحراء، وقال جدو دقش وهو شاب مغامر وصل إلى هناك: تحركنا من الطينة وكان شفق المغيب يرسم على الرمل حركة البشر، سبع عربات محملة بالعمال تشق الرمال التي ظلت من وقت إلى آخر تمسك إطارات السيارات، ويشير الفتى: رسلنا من قبل بعض خبرائنا لإكتشاف الحقيقة والتأكد من معالم الطريق فكان هؤلاء قد أكدوا حقيقة الرواية ومن ثم إكتملت إستعداداتنا بالعربات السبع والتي خصصانها للعمال، حيث حملت كل منها 23 عاملاً وأنطلقنا نحو جبل تبستي وبعد 4 أيام وصلنا إلى تلك المنطقة التي لا شيء فيها سوى الرمال والعواصف وصفير الريح، فتلك الصحراء القاحلة تنعدم فيها الحياة لا ماء ولا حتى حيوانات ولكن هبوب الريح يحمل معه روح الحياة، فالصحراء أيضاً لها لغتها التي يلتقي فيها البشر من خلال إشارات عديدة.

صحراء تبستي
ثمة رجل يشد على أوتاد خيمته وآخر يصارع الريح وهو يلمم أطرافها عدد من الخيام يكتظ بها المكان وأخرى متأثرة تشكل قوساً يتوسطها سوق.. ينشط في تلك المنطقة تجار الماء الذين يأتون من ليبيا بالتانكر ويبلغ سعر برميل الماء 2 جرام ذهب بالإضافة إلى حزمة الحطب والتي تباع هي الأخرى بجرام ونصف الجرام من الذهب، هذه المنطقة الآن في تطور مستمر وتوافد لها التجار وإتسعت الآن وبها الآلاف من البشر يحملون جنسيات عديدة، ويجلب التجار المواد الغذائية والماء والوقود من ليبيا.
أشار جدو إلى أنه وبجانب تجارة الماء والمؤن الغذائية هناك تجارة أخرى بدأت تزدهر وهي تجارة السيارات بأنواعها المختلفة ولكن الناس يفضلون سيارات اللاندكروزر ذات الدفع الرباعي والبكاسي.. ويضيف جدة: الناس يطلقون على اللاندكروزر دي سيسي يبلغ سعرها 1000 جرام من الذهب و850 جرام للعربة المستعملة، أما البوكس فسعره 20 جراماً من الذهب.. وقال تأتي السيارات إلى السوق من جنوب ليبيا عن طريق فله فاتح وابادري وام الأرانب وسبها، حيث إنشأ التجار في قلب الصحراء معرضاً للسيارات ويضم المنجم العديد من الجنسيات الأخرى ولكن السودانيين هم أصحاب الخبرة الأكبر في تنقيب الذهب وهذا ما يميزهم عن بقية الجنسيات.. والمنقبون يفضلون أن يأتوا إلى المطاحن التي يمتلكها سودانيون وهي غالباً ما تصنع من ماكينة عربة الهوستن.. وأضاف: طحن هذه المطاحن يبلغ طحن الجوال من الحجار بواحد ونصف جرام والغربال 6 جرام.

طرق بلا حدود
لم يتوقف الباحثون عن الذهب في منجم تبستي الذي بات مزدحماً بالعمال الأمر الذي دفع كبار المنقبين وخبراء الصحراء أن يبحثوا عن مناجم أُخر والتي تقع خارج الحدود وإن كان للمنقبين حدود فهؤلاء هم قاطنو الصحراء ويعتقدون أن كل من يطل على هذه الصحراء هو ضمن أراضيهم.. ويقول جدو كنا ندخل النيجر ليلاً تحاشياً لعيون السلطات هناك ولكن رغم ما نقوم به من تمويه ونسلك طرقاً بعيدة وأخرى شبه منسية إلا أن الحكومة إكتشفت ذلك وأنشأت عدداً من البوابات فلم يكن لنا خيار إلا التعامل مع هذه البوابات وندفع الضرائب وهي غالباً ندفع جرام لكل عامل، ظللنا نعمل هناك ثم تسللنا من النيجر ثم إلى الجزائر والتي بها كميات كبيرة من الذهب فكنا ندخل النيجر ليلاً ونعبر الحدود إلى الجزائر وهي حدود قصيرة تبلغ 5 كيلو فقط وتفادياً للدوريات الجزائرية، وهو عادة يقوم طيرانهم بمسح للحدود، لذا نتحرك ليلاً أيضًا وتحديدًا الساعة التاسعة ونعمل في التنقيب طول الليل شرطاً أن نغادر قبل الفجر حتى لا نقع في يد السلطات الجزائرية فإذا وقعت في أياديهم يصادرون العربة والأجهزة ثم ينثرون الذهب الذي حصلت عليه في الأرض.. فالطرق التي تؤدي إلى الجزائر خطرة بالإضافة إلى مراقبة الطيران المستمر، هناك طرق أخرى بها ألغام أرضية لذلك يعتمد المهربون على أناس يعرفون تلك الطرق وأنا إكتسبت خبرة الطرق المنسية والتي نطلق عليها (شارع بروا) وهي طرق يتواجد بها العصابات وقطاع الطرق، فالحياة هناك قائمة على مبدأ القوي ياكل الضعيف والحياة للأقوى وهذا هو المبدأ الذي يحكم في تلك الطرق، حيث نجد العديد من قوافل المهربين ولكن لا أحد يسأل أحداً من أين أتى أو إلى أين يذهب.. فالسؤال يعني الموت، للصحراء قوانينها التي يلتزم بها جميع من يعيشون فيها، حيث لا يحق لك أن تسأل أحداً ماذا يفعل أو من أين هو قادم، حركة سيارات المهربين الفتها الرمال وهكذا تعلمنا العيش مع الطبيعة وحفظنا قوانين الصحراء وظللنا لعامين ونحن نساير العواصف حتى صرنا جزءاً من الصحراء واليوم إرتبطنا بها وليس لدينا رغبة أن نترك العمل فيها رغم ما تتسم به من قسوة، كنا عندما نتحرك من جبل تبستي إلى النيجر ومنها إلى الجزائر نشق الصحراء القاحلة حيث خطر فقدان الماء يهدد كل من يسير في تلك الطرق وتحسبًا للطوارئ والخطر نقوم بدفن الماء على ثلاث مواقع ونقوم بربطها بجهاز جي بي أس فإذا حدث شيء دفعنا إلى الفرار أو المطاردة نلجأ إلى تلك المواقع لنزود أنفسنا بالماء.

المنجم القديم
ويقول جدو: بعد تلك الرحلة ما بين النيجر والجزائر عودة إلى المنجم القديم والذي يطلق عليه (كوري أدري) وعند جبل تبستي الواقع ضمن أراضي قبيلة التوبو التشادية التي ينتمي لها الرئيس التشادي السابق حسين هبري ولدى هؤلاء القوم عادات وتقاليد راسخة منذ بدء الخليقة فهم قوم يعتزون بأنفسهم وينظرون إلى الآخرين بدونية حيث لا يأكلون معهم أو يجالسونهم وفوضعية هذا المجتمع جعلتنا نواجه بعض المشاكل مع العمال فأحياناً يعمل لديهم الشخص فيرفضون دفع أجره بل يمكن أن يبيع العامل لآخر بدون أن يدفع له أجره، فقط يتعاملون توبو معنا كأبناء الزعاوة وأعتقد أنه ولو لا وجودنا هناك لما سمح لأحد أن ينقب هناك، قمنا بإنشاء لجان في كل مناجم التنقب وترأست محكمة الجدية التي تنظر في القضايا الخلافية بين العمال ولدى المحكمة التي اترأسها أن تصدر الأحكام وهي أحكام ملزمة، غالباً القضايا التي تأتي أمامنا هي تتعلق بالسرقة ونقوم بإصدار الغرامة وغالباً ما تتراوح بين 20 جراماً أو دون، تقوم اللجان التي تتكون في كل منجم من 18 شخصاً بمتابعة الأحكام والوقوف على أحوال الناس وتنظيم عملية التنقيب وفض النزاعات التي تنشب حول آبار التنقيب.

مناجم أخرى
العديد من المناجم توجد في تلك المنطقة ولكن التحرك بينها يتطلب خبراء بالصحراء وهنا يقول دقس، لدينا منجم سوسيرا وهو من أكبر المناجم في تلك المنطقة، ثم منجم كيلو 35 الواقع داخل الأرضي الليبية وأيضاً 35 وكيلو 7 وكيلو 22 وهي مناجم أغلبها في الأراضي الليبية والتشادية وتنشط فيها كل القبائل الأفريقية الأمر الذي جعلنا نكون هذا اللجان في كل منجم، وأشار جدو لعدم وجود للشركات التنقيب في تلك الصحراء وعزا ذلك لعدم وجود الأمن في تلك المناطق الصحراوية القاحلة وأبان في بعض الأحيان تقوم الحكومة بإغلاق المناجم ولكننا سرعانا ما نستأنف العمل في مواقع أخرى فنحن أدرى بكل شبر في الصحراء، وأضاف: أحياناً عندما تهب العاصفة ونتوه في الصحراء يصعب تحديد المكان الذي نحن فيه فأقوم بفحص الرمال أقول لهم: نحن الآن في الأراضي الليبية أو الجزائرية أو الشادية وهذه الرمال من رمال منطقة كذا، بعد نستخدم ال جي بي اس ثم نعود إلى المخيمات، الحياة هناك قاسية حيث تهب العواصف الرملية بإستمرار والشمس حارقة أما في فصل الشتاء في شيء لا يطاق وكثير من الأحيان تعطل العوامل الطبيعة عملنا ونظل ماكثين في الخيام ما يقارب الـ 3 أيام، ويردف: تعلمنا من الصحراء أن الخطر هو رفيق أي شخص يعيش بها الأمر الذي يدفعنا إلى توخي الحذر والحيطة الناس هناك جمعيهم يحملون السلاح لا يوجد أحد لا يحمل السلاح مادام أنت تعمل تحت دائرة الخطر فيجب أن تحمي نفسها وهذا هو قانون الرياح والعواصف لمجابهة لصوص السيارات وقطاع الطرق الذين يتحركون بصورة مستمرة في تلك المناطق.

منسوبو الحركات هناك
يشيرون إلى أن مناجم الذهب باتت اليوم تستقبل المئات من منسوبي الحركات الدارفورية وأن العديد منهم تخلى عن العمل في صفوفها وإتجه إلى الكسب من العمل في تنقيب الذهب في تلك الحقول بعد أن حقق العديد من الشباب الحلم عن طريق الصحراء ويشير بعض القادمين من تلك الحقول إلى أن سوق العمل الآن أصبح مفتوحاً لمنسوبي الحركات فبجانب التنقيب في الذهب هناك فرصة عمل أخرى تتمثل في حاجة المنطقة إلى سائقين مهرة وهذه الصفة في وقت توجد أعداد كبيرة من السيارات ولا يوجد سائقين فالمنطقة تستقبل أكثر من 150 عربة في الشهر يتم الترخيص لها في المواني الشادية هذا الشيء وفر فرصة عمل كبيرة لهم لذلك تخلوا عن حمل السلاح وإتجهوه إلى الكسب في مناجم الذهب.. وأشار إلى أن هناك سيارات نقل بين منجم تبستي ومنطقة الطينة ومن خلال هذه الرحلة يكسب السائق 40 جراماً من الذهب وهذا عمل رابح ومغرٍ جدًا.

السوق
بعد أن يتحصل المنقبون على كميات كبيرة من الذهب يتوجهون إلى سوق دبي عن طريق العاصمة أنجمينا والتي يصلونها عن طريق السيارات لذا يقوم البعض بجلب المون والوقود من منطقة قطرون الليبية والتي تقع على بعد 180 كيلو من المنجم، وحيث يبلغ سعر برميل الجازولين أربعة ونصف جرام أما البنزين فسعره 6 جرام ثم يتحركون من جبل تبستي إلى منطقة أبتشي التشادية والتي تستمر الرحلة إليها ثلاثة أيام متواصلة يكون السير فيها ليل نهار بسرعة 180 كيلو في الساعة بعد أبتشي يواصلون السير إلى العاصمة أنجمينا التي يقضي فيها بضعة أيام إستعداداً إلى المغادرة إلى مدينة دبي لتسويق الذهب بها ومن ثم يقوم بتحويل الأموال إلى أنجمينا، أما في السوق المحلي في جبل تبستي فقط تكون المعاملات المحلية بالذهب وطبقاً لما ذكره جدو عندما قال: نحن نستخدم الذهب في كل المعاملات وهو العملة المتوفرة لدينا أنظر لهذه الطاقية (كان يحملها في يده) إشتريتها من أحد المتاجر بسوق المنجم دري بكم.. حسنا سأوقل لك بلغ سعر هذه الطاقية (5) حبات من الذهب تقريباً، ويمضي مغامر الصحراء قائلاً: الأكل هنا غالي جدًا فثملاً يبلغ طلب اللحمة 6 حبات من الذهب (تزن نصف جرام من الذهب) ويضيف: ولكن أرخص الأشياء في تلك الأسواق هي المشروبات الغازية، وتمسك جدو بالبقاء في تلك الديار وقال: أنا الآن لدي عامين في الصحراء عبر العديد من الدول ولكن تبقى هي مسكني ليس لدي رغبة أن أترك العمل فيها، فالحياة رغم قسوتها إلا أننا نحقق مكسباً جيداً وهذا مفيد وتوسعت أعمالي هناك.

المتاعب
لا توجد مشكلات كبيرة لدينا فقط نواجه خطر اللصوص.. وهم دائماً يقومون بنهب السيارات، وأعتقد أن إهتمام الناس هنا في هذه المناجم هو التركيز في العمل حتى يتمكن كل فرد أن يتحصل على أكبر كمية من الذهب وعندما يكون هناك مال حتمًا سيكون هناك سلام وهذا هو قانون الصحراء والطبيعة نحن في صراع دائم معها كي نحقق ما نريد في أسرع وقت ممكن لأنه المحتوم قد يقع في أي وقت وتنغلب الأشياء لذا الناس تركز على التنقيب عن الذهب.

أدوات
قارئ الرمل.. حكاية عُرف بها خبير الصحراء جدو دقيس الذي يقول عندما نتوه في الصحراء ألجأ إلى قراءة الرمل.. فأنا أميز تراب كل منطقة عن الأخرى هنا ممكن أقول لهم نقف في الحدود الليبية أو تبستي أو النيجر أو الطينة السودانية، نحن نستعين أيضاً بأجهزة الثريا وتقنية جي بي أس ولدينا أفضل جهاز يحمله كل العاملين في الصحراء هو جهاز نوكيا سي 5 وهو طراز قديم ولكنه يمتاز بنظام جي بي أس.. أما عن مصادر الطاقة فقال: نجلب وابورات الكهرباء من ليبيا ولكن أغلب الناس تستخدم الطاقة الشمسية وعند العواصف الرملية نستعين بنظام جي بي أس.

الخرطوم: أبوعبيدة عوض- السياسي


‫2 تعليقات

  1. حق هناك دهب ومشقة لكن انا افتكر على حسب رأي احسن من الشغل داخل المدن وخاصة بنسه لي اناس مثلي لا يحملون أي خبره ولا شهاده

  2. هذه هي الحقيقة الغائبة عن بعد الناس تمامآ نعم يوجد هنالك ذهب بكميات مختلفة من مكان الي آخر و يتطلب بزل الجهد بكثير