مزمل ابو القاسم

الباز وكارلوس


* أهداني الزميل الصديق عادل الباز نسخة من روايته (أيام كارلوس في الخرطوم)، بعد أن أنجز طباعتها في دار العين للنشر بالقاهرة.

* كثيرة هي زوايا الإمتاع في الراوية التي رسمت صورة مكبرة للفنزويلي إلييتش راميريز سانشيز، الشهير بكارلوس الذي نذر حياته لدعم القضية الفلسطينية، وقضى في الخرطوم أياماً حفلت بالقلق والمتعة والمجون، قبل أن يقع في الفخ ويذهب إلى سجن فرنسي بسذاجة لا تليق بتاريخه مطلقاً.

* كارلوس (الملقب بالثعلب) الذي احتجز وزراء نفط دول منظمة (أوبك) في عملية فيينا الشهيرة عاش أيامه في مقرن النيلين، مكتفياً باجترار أمجاده السابقة، وسردها على خليلاته، متسقطاً دعم أصدقائه القدامى.

* تنقل بنا الباز من الخرطوم إلى باريس وكاراكاس وعمان والقاهرة وطرابلس وأديس وفيينا وطرابلس وموسكو برشاقة ممتعة، ونجح في إلقاء الضوء على شخصية كارلوس من زوايا عدة، كما نقل صوراً عالية الجودة لما كانت عليه الأحوال في الخرطوم وقتها.

* أفلح عادل في تحريك شخصيات الرواية ببراعة، وصنع لبعضها هالةً براقة، ومنها الإثيوبية بلين، التي عرفها كارلوس في إحدى كافتيريات حي العمارات، وقضى معها أوقاتاً حفلت بدفءٍ لم يتصل بشهوة.

* بلين الإثيوبية التي استهوتها حكايات كارلوس شاركت في حرب التحرير وتعرضت للخيانة من محبوبها ورفيق نضالها الذي خذلها حين ساقته الأقدار ليصبح وزيرا في حكومة منقستو.

* لم تبحث في علاقتها مع كارلوس عن حب ولا مال ولا متعة جسدية، بعد أن تحول إلى شهريار يحكي لها قصصه المثيرة، لتكتفي بالاستماع، ولا تذهب أبعد من مصادقة زوجته السورية هناء.

* أفرد الباز حيزاً من روايته الممتعة لزوجات كارلوس ومعشوقاته، الأردنية لبنى التاجي، والسورية هناء فاضل، والإثيوبية بلين، وصديقة سودانية فضلت أن تنأى بنفسها عنه في الوقت المناسب، بخلاف الكوبية سونيا أوريولا التي التقاها في حلبة للرقص، وأفرد شبكته عليها حتى كرهته وعادت إلى حارات هافانا.

* أما الألمانية ماجدولين التي عملت معه في مجموعة (بادر ماينهوف) الألمانية في سبعينيات القرن الماضي، فقد حولها كارلوس من مقاتلة تسعى إلى إزالة المظالم، وإنقاذ مقهوري العالم إلى ربة منزل ترعى أبناءه، وتمارس أقسى أنواع النضال في المطبخ.

* تمكن القاص من تجسيد شخصيات رجال الأمن السودانيين (هاشم باسعيد وحسب الله عمر وصلاح سعد ومحي الدين الخطيب ورفاقهم) بطريقة جيدة.

* الجزئية الوحيدة التي استوقفتني بملاحظات سلبية تمثلت في اكتفاء الحبيب عادل الباز بنقل تفاصيل عملية فيينا بقلم غسان شربل رئيس تحرير صحيفة الحياة اللندنية، ولو صاغها بأسلوبه الجاذب لقضى على حالة التنافر التي أحدثتها تلك الجزئية في جسد الرواية المتماسك.

* لو تمت ترجمة الرواية إلى الفرنسية والإنجليزية فستتحول إلى فيلم ممتع، ونحن نهنئ الباز عليها ونرجو أن ينجز غيرها بذات التمكن الذي وثق به لأيام كارلوس في الخرطوم.