عبد الجليل سليمان

جدتا كابلي وأوباما


ربما لن ينتهي الجدل الدائر على (فيس بوك) في أوساط (الناشطين والناشطات) حول القضايا المحلية والمشتركة مع المحيط والعالم بأسره، إلا حين بروز (خبريات/ صغيرة) كما يقول الشوام، ذات صلة جذرية بمجتمعات أخرى، ليست لأنها غير موجودة عندنا، بل لأننا ننكرها على الدوام بوصفها (شينة) ولا تليق بمقاماتنا السامية والرفيعة وقيمنا الأخلاقية النبيلة – كما ندعي – ولعل (هرجة المثليين) في الأيام الفائتة مثال حي على تفاعلنا مع من/ وما حولنا علانية، وما لدينا (سراً).
الحوارات الهارجة والمهرجلة تستمر، والجدل يحتدم حول خبر آخر، قيل إنه مقتبس من كتاب لأحد كبار الفنانين وقدّم له أحد كبار سفراء السودان، ولأنني لم أقرأ الكتاب، فلا زلت اعتبره (كلام فيس ساي)، إلى أن يقيض الله لي قراءته.
ولكن ما نجم عن الخبر المنسوب إلى الكتاب، جدير بالتأمل، إذ أنه كشف عن أن الأصول (اليهودية) لجدة أحد عمالقة الفن السوداني، فأقام هذا (الكشف العظيم) الدنيا ولم يقعدها، حتى أن جمعاً غفيراً وحشداً كبيراً من كبار الناشطين/ الناشطات، ترك كل شيء خلفه (نضالاته الباذخة/ أفكاره الخلاقة/ ألمعيته غير المسبوقة/ إبداعاته)، وذهب الجميع إلى ميدان القتال. في الخبر المنسوب إلى كتاب للفنان عبد الكريم الكابلي والموسوم بحسب (فيس بوك) بـ (أنغام وليست ألغام)، قيل إن مقدمته كتبها السفير نور الدين ساتي، وأشار فيه إلى الكاتب كشف له عن أن جدته ذات جذور يهوديه.
طيّب، ما الخبر في هذا الخبر (إن صح الخبر)؟ ما المثير في أن جدة كابلي يهوديه مثلاً؟ وما الذي يجعل الجمع الغفير يتداعى ويترك كل القضايا المهمة والملحة ويرميها خلفه، لينقسم إلى فسطاطين، واحد للدفاع عن الرجل وآخر للهجوم عليه كونه تجري فيه دماء يهوديه! فهل هذا مهم؟
إذا كان مهماً بالفعل، فماذا ترون في خبر الرئيس الأميركي أوباما الذي يفخر بأصوله وجذوره الأفريقية، إلى حد أن جدته (سارا) التي تعيش إلى اللحظة في قرية (كوجيلو) الصغيرة غرب كينيا وعدت بتحضير الطعام له بنفسها خلال الزيارة الرسمية التي يعتزم القيام بها إلى كينيا نهاية يوليو الجاري، واقترحت الجدة (سارا) طهو كل أنواع الأطباق التقليدية المحضرة من السمك والدجاج والذرة. وقالت: إن كان باراك عضواً في مجلس الشيوخ أو رئيساً سيان بالنسبة لي، سيأكل ما سأحضره له.
أيها الناس انصرفوا إلى أعمالكم المهمة، فمثل هذه الأمور تجاوزها الزمن، ولم تعد – وما كانت أصلاً – مهمة بهذا القدر الذي يجعلكم تتدافعون نحوها بمناكبهم حتى يكاد كبيركم يدهس صغيركم فيصرعه، وصغيركم يناكب كبيركم ويناكفه، فتتفتت المساحة الصلدة من الاحترام بينهما وينهار كل شيء، وبسبب ماذا، بسبب (جدة الكابلي) المزعومة، رحمها الله وغفر لكم.