مقالات متنوعة

د. جاسم المطوع : كيف تحبب طفلك في الصلاة؟


قال: كيف أحبب طفلي بالصلاة؟ قلت: إن هناك سؤالا أهم من هذا السؤال، فاستغرب من جوابي، وقال: وما الأهم من قضية تحبيب الأطفال بالصلاة؟ قلت: قبل الجواب عن هذا السؤال، لابد من معرفة البيئة التي يعيش فيها الطفل، وبناءً عليها يمكننا الجواب عن سؤالك، قال: طيب، وماذا تقصد بالبيئة؟ قلت له: بداية، لابد من معرفة أصناف الوالدين في الصلاة، فلكل حالة جوابها، ومن خلال استقرائنا للواقع، فإن لدينا خمس حالات من البيوت في الحرص على الصلاة:

الأولى: أن يكون الوالدان محافظين على الصلاة، سواء كانت الصلاة في المسجد أو في البيت، وهذه هي أفضل الحالات التي تشجع الطفل على الصلاة، لأن الطفل يتأثر بما يشاهد، وما يسمع من والديه، وخاصة في أول ثماني سنوات من عمره، وقد يمرُّ على هذا الطفل بعض حالات الفتور بالصلاة، وخاصة في مرحلة المراهقة، ودخول عالم الصداقة والأصدقاء، لكنها حالات طبيعية، لا ينبغي الخوف عليه، طالما أن أساسه الإيماني قوي، وعلى الوالدين الاستمرار في تذكيره وتوجيهه نحو الصلاة.

الثانية: أن يكون الأب مصليا، والأم لا تصلي.. وفي هذه الحالة ينشأ الطفل في الغالب غير مهتم بصلاته، لأنه في سنواته الأولى يكون ارتباطه بأمه أكثر من أبيه، ويستطيع الأب أن يعالج المشكلة، بتدخله الكثير بمرافقة ابنه والجلوس معه والحديث عن الصلاة، فيشجعه تارة، ويحمسه تارة أخرى، حتى يكبر ويكون محافظا على صلاته، أو أن يكثر من الصلاة جماعة معه بالبيت، كتدريب للطفل على الصلاة.

الثالثة: أن تكون الأم حريصة على صلاتها، والأب لا يصلي.. وفي هذه الحالة تكون المشكلة أخف من الحالة السابقة، وعلاج هذه المشكلة، بعمل بعض الحيل التي تعوض تقصير الأب، كارتباط الطفل بجده المصلي في حال لو كان السكن في المنزل نفسه، أو إشراك الطفل ببعض البرامج والفعاليات في الأندية التي تحرص على الصلاة، أو ارتباطه بصحبة صالحة أو حلقات تحفيظ القرآن، فنوفر له بيئة أخرى يكون فيها قدوة بديلة عن الأب، كمشرف تربوي مميَّز يحبه الطفل ويتعلق به، فيكون سببا في حرصه علي صلاته.

الرابعة: أن يكون كلاهما لا ينتظم في صلاته، كأن يصليان فرضا، ويفوتان فرضا، أو يجمعان الفروض كلها قبل النوم.. وفي هذا البيت ينشأ الطفل على عدم الحرص على الصلاة، بسبب عدم حرص والديه عليها، إلا أن هذه الحالة أفضل من الحالة التي لا يصلي فيها الوالدان أبدا، وعلاج هذه المشكلة، أن يتدخل طرف خارجي حريص على صلاة الطفل، كأن يكون قريبا له، وأذكر أن خالة لطفل تدخلت بمثل هذه الحالة، وكانت سببا في حرص أبناء أختها على الصلاة.

الخامسة: أن يكون الوالدان لا يصليان، وهذه من أصعب الحالات التي مرَّت عليَّ، فينشأ الطفل غير حريص على الصلاة، لأنه لم يشاهد والديه أمامه يصليان، وأذكر مرة، أننا كنا في جلسة بحرية مع شباب صغار، فقلت لهم لنصلِّ جماعة، فقال لي أحدهم، وعمره 10 سنوات، أنا لا أعرف كيف أتوضأ، فعلمته الوضوء، ثم قال: ولا أعرف كيف أصلي كذلك، فعلمته الصلاة، ثم علمت أنه تربى في بيت لم يشاهد والديه يصليان، ولم يكلمه أحد عن الصلاة.. والغريب أنه بعدما صلَّى معنا جماعة، قال: كنت أتمنى أن أصلي منذ زمن، ولكن لم يعلمني أحد، وظل حريصا على مرافقة أولادنا بعد ذلك.

قال السائل: إن التفرقة بين هذه الحالات الخمس مهمة، لأن لكل حالة طريقة وأسلوبا في تحبيب الصلاة للأطفال، قلت له: نعم، وهذا ما قصدته عندما قلت لك أن هناك سؤالا أهم من سؤالك، ولكن المهم الآن أنت من أي حالة؟ قال: أنا من الحالة الأولى، والحمد لله، لكننا نجد معاناة شديدة في متابعة أبنائنا وحرصهم على الصلاة.

قلت له: هذه المعاناة طبيعية، وستستمر معك، لأن الصلاة ثقيلة على الأطفال، فالطفل يكون في غاية لعبه وفرحه، ونحن نقطع عليه أنسه، ونقول له تعالَ نصلي، فيقف من أجل الوضوء والصلاة، لهذا تلاحظه يتململ وقت الصلاة، لأنه يحب اللعب، وأن يعيش حُرا غير مقيد، وتلاحظه أحيانا يتحايل عليك ويراوغ، من أجل تأجيل الصلاة، وفي هذه الحالة عليك متابعته وتوجيهه برفق ولين، وخاصة إذا كان عمره بين سبع وعشر سنوات، واحرص على ألا تستخدم أسلوب الشرط، كأن تقول له كلما صليت أعطيتك هدية، أو أن تلزمه بصلاة السنن مع كل صلاة، ولا تستخدم أسلوب التهديد، فتقول له “إذا لم تصلِّ، فإن الله سيعذبك بالنار”، فيكره ربه، ولكن استخدم معه أسلوب الإيحاء الإيجابي، وهو أنك كلما صليت تقول له “الصلاة تشعرنا بالراحة”، ونكرر عليه هذه العبارة، أو أن نستغل وقت اجتماع العائلة فنصلي جماعة، ونقول لهم كلمة بعد الصلاة، لبيان فضلها والحرص عليها.

وأذكر أني حضرت حفلة لطفل عمره عشر سنين، وقد حضر أهله وأصدقاؤه، وأحضروا له هدايا وطعاما، وبعد الانتهاء من الحفل، طلب منه والده أن يصلي بالأطفال إماما، تشجيعا له، وكان لها أثر كبير عليه.