عثمان ميرغني

Forgive, but never forget


حينما يقترب مغيب شمس اليوم وموعد إفطار رمضان.. يكون مضى عام (هجري) كامل على حادثة ستظل محفورة في تاريخ الصحافة السودانية.. ومسطرة في أرشيفها الأبدي..
مجموعة من حوالي عشرين فرداً مدججون بالأسلحة النارية والبيضاء.. على ظهر سيارتي دفع رباعي من النوع الذي يصلح للاستخدام في أنشطة ذات طابع قتالي.. اجتاحوا مقر صحيفة (التيار) وسيطروا عليه تماماً.. ثم اقتحم سبعة منهم مكتبي لتنفيذ أوامر محددة.. أنجزوها بمنتهى المهنية و(الحياد العاطفي) لم ينطقوا بكلمة واحدة.. لم يظهر في تعابير وجوههم أية كراهية.. بل -وهو الأدهى – أكاد أقسم أنهم لم يعرفوا من ضربوه.. هل هو لاعب كرة مشهور.. أم فنان.. أو سياسي معارض أو متآمر.. إلا في صباح اليوم التالي عندما أطلعوا على الصحف واكتشفوا أنه.. ويا للهول مجرد صحفي ليس إلا..!!
في هذه الحادثة نقطتان تثيران الدهشة.. الأولى.. لماذا؟؟ من أمر أو دبَّر أو نفذ لماذا ارتكبوا هذه الجريمة التي تقع تحت طائلة قانون الإرهاب وليس القانون الجنائي.. لو كنت سياسياً لجاز أن أكون جزءاً من مؤامرة سرية.. لكن كل ما أكتبه منشور ليقرأه الجميع كل صباح.. فما الذي يجعل في الرأي الذي أعبر عنه ما يدعو لتجاوز النيابة والقضاء والقفز مباشرة لأخذ القانون باليد؟
والنقطة الثانية والأهم.. هو مشهد الذين ارتكبوا هذه الجريمة.. وبعد نصف ساعة منها وأنا غارق في الدماء في المستشفى.. وهم – الجناة- يتناولون التمر والماء ويرددون بكل خشوع (اللهم لك صمت.. ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر).. تصوروا (ثبت الأجر!!) تحت أي شريعة (يثبت الأجر)؟؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعِرضه..)..
اللواء عمر نمر لم يذهب بعيداً من الحقيقة عندما أثار موجة من الدهشة بتصريحاته التي أكد فيها القبض على الجناة.. وسفر بعضهم للخارج.. صحيح كل هذا حدث.. لكن في وقت سابق مباشرة بعد الهجوم.. أوقفت الشرطة بعض المشتبه فيهم.. وعرضتهم على زملائي الذين كانوا شهوداً وقت وقوع الهجوم.. وتعرفوا عليهم بكل سهولة.. لكن بالطبع لا يمكن أن يبقوا رهن الحبس.. طالما ليس هناك محاكمة!!
أما بالنسبة للسفر.. صحيح سافر بعضهم إلى عاصمة أفريقية مجاورة.. وأمضوا فيها بقية أيام رمضان ثم عادوا بعد عطلة عيد الفطر.. من باب المكافأة من جهة.. ومن جهة أخرى لإبعادهم من سير تحقيقات الشرطة..
وبكل أسف لقي أحدهم حتفه خلال تنفيذه لعملية مشابهة بعد بضعة أشهر.. ولا أجد في نفسي إلا أن أترحم على روحه وادعو الله أن يعفو ويصفح عنه.. فالعفو قيمة سامية لا يدركها إلا ذو حظ عظيم.. كما ورد في القرآن الكريم.. ( ولا يلقاها إلا الذين صبروا.. ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم)..
العفو والعافية في الخاص الذي يخصني..!!