منى سلمان

تهور غير محسوب


عدنا للبيت ذات مساء رمضاني (صاني) متأخرين للمنزل .. كان الظلام دامس وعند اقترابنا لاحظنا ثلاثة اشباح تسرع مبتعدة وباب البيت مفتوح .. داس ابو العيال البنزين ولحق بالرجال ونزل اليهم بيديه الخاليتين ليتضح انهم عمال في مزرعة قريبة …
لاحقا لمته على تهوره والدخول في مطاردة غير متكافأة بدون حتى اداة للدفاع عن نفسه:
نزلت ايدينك فاضيات هسي لو ديل حرامية .. كنتا عايزهم يكتلوك قدام اولادك ؟!!
اجابني بثقة وبساطة:
مالو .. اموت في حقي.
دفعتني تفاصيل الحادثة للتأمل في الإختلاف والتباين في الحالة الذهنية وصفاء التفكير ما بين صاحب الدار الذي يستيقظ فجأة على وجود زائر الليل في بيته فيضطر للتعامل معه، رغم أنه يكون في تلك اللحظة قد إنتقل من عمق الإستغراق في النوم إلى صحوة فجائية كاملة وهو مشوش الذهن غير مستوعب لإبعاد الوضع الراهن، في مقابل (الحرامي) الذي يكون صافي الذهن .. متحفّز وفي كامل قواه العقلية والبدنية، ولذلك كثيرا ما تكون الغلبة في تلك المواجهة لصالح (الحرامي) والتي قد تنتهي بتعرض رب البيت للأذى الجسيم على يدي (أبو الحرمرم).
الحمية والرغبة المستميتة المؤصلة في فطرة الرجل، هي التي تدفعه للتضحية بنفسه مقابل حماية وفداء أسرته وبالأخص أطفاله، فيندفع ليدخل في مواجهة غير متكافئة دفاعا عن حرماته وحماه، بل أحيانا يهب ويندفع من نومه لمواجهة (الحرامي) بيديه الخاليتين دون أن يحاول التسلح بأداة تساعده على الدفاع عن نفسه وأهل بيته، وخاصة إذا ما كان إستيقاظه على صوت إستغاثة أحد أبنائه.
ومن لطائف المواقف عند مواجهة الحرامية دون سلاح أو أداة دفاع عن النفس كالعصي وغيرها، ما كان من إستيقاظ الشيخ الأعمى والذي كان ينام بجواره إبنه الذي ينتمي لفصيلة ذوي القلوب الكبيرة .. أحس الشيخ بما وهبة الله من قوة سمع لتعوضه عن نور عينيه بحركة (كركبة) مريبة فمد يده لسرير إبنه وهزّه:
هوي قوم أصحى يا ولد .. سامع لي حركة حرامي.
إستيقظ الابن مخلوعا وقد اعتصر الخوف قلبه ولكنه قال في تشجع:
حرامي .. بي وين ؟ .. ود الكلب !!
وحينما رفع رأسه فوجئ بوقوف عملاق ضخم بالقرب من سريره فقال لأبيه في رعب:
يابا .. هدا الحرامي .. واقف قدامنا .. أسوي ليهو شنو؟
قال الأب: واقف قدامك؟!! .. سمح أمسك فيهو قوي وكورك قول الحرامي.
إندفع الإبن و(كنكش) في خصر الحرامي وبدأ الصياح: حرااامي!!
ولكن وبسبب الخوف الشديد لم يخرج صوته من حلقه، و(زاد الطين بله) عندما إستدار الحرامي وامسك الإبن ورفعه من على الأرض وعصره عصرة كادت تخرج (زيته) وتزهق روحه ، فصاح مستنجدا بأبيه:
يابا مسكتوا لكن لقيتوا قوي وغلبني.
فقال الأب: سمح فِكوا خلي اليفوت.
قال الإبن في لوعة:
خليتو يابا .. أبى ما يخليني!!