الطاهر ساتي

تدخل جائر


:: فالقصة الخبرية المحزنة بـ(اليوم التالي)، عدد البارحة.. معلم بمدرسة القادسية يضرب ولي أمر تلميذ ضرباً مبرحاً، فتشكل له إدارة التعليم بالوزارة لجنة تحقيق ..وبعد التحقيق والتحري، ترى اللجنة أن المعلم قد أخطأ في حق ولي أمر التلميذ، وحاسبته بعد الإدانة ورأت نقله إلى مدرسة أخرى..ولكن، يتدخل وزير التربية عبد المحمود النور، ويوجه إدارة التعليم بإعادة المعلم إلى ذات المدرسة التي أبعد عنها، أي يسعى الوزير إلى إلغاء قرار لجنة التحقيق والمحاسبة ب (جرة قلم)..وهذه مخالفة، فالوزير – ما لم يكن سودانياً في زمن الفوضى – لا يملك سلطة إلغاء قرارات لجان المحاسبة .. !!
:: وعليه، (لا تحزن على الصبيان إن ضــُربوا فالضرب يفنى ويبقى العلم والأدب / الضرب ينفعهم والعلم يرفعهم، ولولا المخافة ما قرأوا وما كتبوا).. من قصائد جاهلية العرب ..وبالإتكاءة على هذا الجهل، نتخذ الأطفال والصبيان نياقاً وحميراً لحد استخدام السياط والخراطيش في التربية والتعليم..وما الخراطيش والسياط إلا من وسائل العاجزين عن التربية والتعليم..ويبدو عبد المحمود النور، وزير التربية والتعليم بالخرطوم، من الراغبين في ترسيخ نهج العاجزين بالمدارس بحيث يشمل الجلد أولياء الأمور أيضاً..!!
:: والمهم، أي مع استنكار هذا التدخل الوزاري، نطرق مرة أخرى – وليست أخيرة – على جاهلية جلد التلاميذ بغرض التربية والتعليم .. للأسف، تأثرنا بهذه الجاهلية.. تأثرنا لحد تقديم الطفل لشيخ الخلوة أو ناظر المدرسة مرفقاً بنصيحة : ( ليك اللحم ولينا العضم)، أي مزق جلده بسياطك وعده لنا (عظماً فقط)، بمظان هكذا يجب التربية والتعليم..وكان، ولا يزال، من آثار هذا الجهل، ما تشهدها بعض الخلاوى من انتهاك مؤلم لحقوق الأطفال وتعذيب الصبيان يبلغ مداه تقييدهم بالسلاسل والحبال على أوتاد الغرف المهجورة أو تحت لظى الشمس.. وكذلك جلدهم في المدارس لترتفع نسب التسرب والإعاقة ..!!
:: والذين ينجون من التسرب والإعاقة يتخرجون بشهادات محشوة بحزمة (أمراض نفسية )..كراهية الآخر، القبول بالقهر، الانصياع للدجل والشعوذة،وغيره من سياج التخلف الذي يُعيق خطى بلادنا، كل هذا مرده ( الجلد والترهيب)..لو نفع الضرب تلاميذ الأجيال السابقة، لما كان حال الناس والبلد على ما هما عليه (حالياً)..فالضرب أفسدهم، وبهم فسد حياة الناس والبلد.. نعم، فالأجيال التي تعلمت بالسياط وتربت بالخراطيش هي التي أقعدت شعبنا عن اللحاق بركب النهضة.. وهي التي عجزت عن إدارة بلادنا ومواردها، وهي التي رسخت ثقافة العنف في ذاتها ثم في المجتمع .. !!
:: ومنذ استقلالنا، ولأن مدارسنا لم تُخرج (الأسوياء)، نزرع الكراهية في مجتمعنا لنجني الحرب تلو الحرب، ونغرس الأحقاد في قبائلنا لنحصد مآسي تحقير الآخر، ونشتل الغبائن في بعضنا لتُثمر عجزنا عن التعايش مع بعضنا..هكذا حال أجيال ( الضرب ينفعهم)، ولكن أكثر الناس لا يتعظون..بل يجتهدون في تحوير الحديث النبوي : ( مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا)، لتأصيل الجلد ..ولو تأملوا الحديث الشريف بعقولهم، لوجدوا أن فترة الحوار ما بين الأم والأب وطفلهما حول الصلاة مقدارها ( ثلاث سنوات)، وبمعدل خمس مرات يوميا.. فأي عقل راشد هذا الذي يعجز – ثلاث سنوات – عن ترغيب عقل بريء بالصلاة ؟.. المهم، أبعدوا كل مظاهر العنف عند المدارس.. وليس من سلامة التربية والتعليم أن يكون وزير التربية و التعليم – شخصيا – حامياً لحمى العنف، بمثل هذا ( التدخل الجائر)..!!


‫4 تعليقات

  1. البلد دي ما حا تتحسن وتتعافي الا بتغيير كل الاعلاميين الموجودين في الساحة من كتاب اعمدة وصحفيين وتلفزيون واذاعة وموسيقا كلو.. كلو ..بي جيل جديد يقدم ما عندوا بفهم ووعي وابداع وحب للوطن وبدون تكتل خلف اهوا واهداف شخصية وقبلية..
    سوال واحد ليك اذا كنت انت فعلا (سوي) ومن (الاسوياء) !!؟؟.. وين الحروب والكراهية والاحقاد وعدم التعايش الذكرتهم في اهلنا الطيبين المسالمين في الشمالية في عموم ارض الشمال ؟؟!! والله حقو تحاسب علي اتهامك الباطل لي اهلنا وقبائلنا في الشمال..

    1. أغلب من حكم البلاد في العقود الاخيرة هم من الشماليه …… والحال يغني عن الوصف – مواطن من الشماليه-.

  2. يا استاذ ساتى لك التحية
    فركت عيناى وقرأت مقالك مرة ومرتين وثلاثة هل الاستاذ جلد التلميذ أم جلد والده وهل كان جلد الوالد بحضور ابنه اذا كان هذا الأستاذ ( لامى ) فى الناس جلد ماذا نعمل نحن المواطنون عندما تكون هناك مشكلة فى المدرسة تتطلب حضور ولى أمر الطالب هل نأتى ( بعكاكيزنا ) على أعتبار انه ستكون هناك علقة فى أنتظارنا . أنا فى رأيى المتواضع ان هذا الاستاذ او المربى أن كان هو حقا أستاذ ان يتخلى عن هذه المهنة ويبحث عن مهنة اخرى وعلى السيد الوزير ترك المشكلة وحلها للمدرسة المختصة ( نحن عايزين الوزير يتدخل فى ما هو اهم )
    أما بخصوص عدم جلد التلاميذ وضربهم هى فى رأيى واحدة من الاسباب الكثيرة النى اقعدت واخرت العملية التربوية ( أولاد الزمن ديل ما بقروا ألا بالكرباج )