ضياء الدين بلال

(ابتزاز ورشوة)!


-1-

لم أستمع لأي حلقة من المسلسل الإذاعي (بيت الجالوص). قرأت عن إيقافه عبر الصحف، واطَّلعت أمس على مقال رصين للكاتب المتميز الأستاذ السر السيد، يدافع فيه عن المسلسل، وينتقد دور اتحاد الصحفيين في إصدار قرار الإيقاف.
حسب ما روى السر السيد، فالمسلسل يتحدث عن شريحة من الصحفيين تمارس أدواراً مشبوهةً لمصلحة مجموعة طفيلية، وأخرى تمارس الابتزاز لمصالح ذاتية.
ما كان لاتحاد الصحفيين بقيادة الصديق العزيز الصادق الرزيقي، في دورته الناجحة، أن يتورط في عملية تعسفية، تجاه عمل درامي يتناول ظاهرة موجودة في الوسط الصحفي.
الصحافة ليست مهنة مقدسة، غير قابلة للجرح والتعديل؛ هي مهنة تضم بين عضويتها الصالح والطالح، وهي من أكثر المهن تضرراً من إجراءات المنع والحد من حرية التعبير، لذا فهي الأوْلى بصون الحريات لا بإهدارها.
إذا سعى كل اتحاد مهني للوقوف ضد التناول الناقد لسلوكيات سالبة بين أعضائه؛ فلن يكون متاحاً حتى للصحف ممارسة دورها الرقابي على العمل العام.
أكثر ما يُضعف مبدأ المحاسبة والعقاب في الدولة السودانية، وجود حصانات تحد من مساءلة الأفراد، وتُلجم التحقيق في الظواهر السالبة ذات الصلة بكيانات اعتبارية.
كما ذكر السر السيد، طالما أن النقيب الصادق الرزيقي أورد ضمن مسوغات إيقاف المسلسل تلقي شكاوى من صحفيين ورؤساء تحرير، رأوا في العمل الدرامي إساءة لهم ولمهنتهم؛ كان على النقيب عملاً بمبدأ الشفافية الكشف عن قائمة الأسماء وأن لا تحال إلى المجهول.
-2-
الغريب في الأمر، أن صديقنا الرزيقي، وهو رجل موضوعي ومتزن، ذكر قبل أشهر في منتدى بمقر حزب المؤتمر الشعبي، ما هو أسوأ مما ورد في المسلسل، عن الممارسات المسيئة للمهنة.
وسبق أن كتبت عن الممارسات الصحفية السالبة في هذه المساحة، في عمود جاء تحت عنوان (اتهام بالرشوة) قلت:

قبل سنوات دار نقاش حاد بيني ومسؤول سياسي كبير حول الصحافة، وبهدوء مثلج قال لي الرجل إنه لا يفرق بين الصحافة و(….)، لا أستطيع ملء ما بين القوسين لبذاءة الكلمة، لم أتمالك نفسي من الغضب فرددتُ عليه بكلمة ربما هي أيضاً لا تصلح للنشر!
قابل ردِّي بهدوء مفاجئ، ثم قال لي: (تعال لي في المكتب عشان أوريك أنا قلت كدا ليه).
كنت وقتها محرراً صغيراً بالعزيزة (الرأي العام)، أخبرتُ أستاذي إدريس حسن رئيس التحرير بما حدث، وأشركت في الرواية الباشمهندس عثمان ميرغني، الذي كان يكتب بالصفحة الأخيرة.
إدريس قرر عدم نشر أي خبر لذلك المسؤول، الذي كان وقتها ممسكاً بملف سياسي مهم جداً. وعثمان بشجاعة وقوة شنَّ هجوماً لاذعاً على الرجل، وظل يعيد نشر الواقعة في كل مرَّة جاء فيها الحديث عن العلاقة بين الصحفي والسياسي.
-3-

رغم حساسيتنا من تلك الاتهامات التي تأتي تلميحاً وتصريحاً، ويقيننا القاطع بنبل ورفعة هذه المهنة، التي تمثل مصدر رزقنا ورزق أبنائنا وبناتنا؛ لكن من المهم الانتباه لظاهرة خطيرة بدأت تتسلل عبر الحوائط القصيرة وعبر السلالم الخلفية، وربما اقتربت من إحداث تشويه كاملة لصورة الصحفي.
نوعية من الصحفيين والكتاب يتاجرون بشرف المهنة، يبيعون أقلامهم في (سوق الحر) لمن يشتري، يمدحون بثمن ويشتمون بمقابل، يستخدمهم البعض كقتلة مأجورين أو ككلاب صيد، ولهم فنون وتكتيكات في عمليات الابتزاز واغتيال الشخصيات، ولهم سماسرة بأصوات هامسة وملامس ناعمة، يُكملون الصفقات داخل العربات المظلَّلة، وفي الغرف ذات الإضاءة الخافتة!
-4-

خصلتان هما أسوأ ما في الصحفيين:
الأولى/ عجزهم عن حماية مهنتهم والحفاظ على حقوقهم.

الثانية/ لا يمارسون فضيلة النقد الذاتي، ويريد بعضهم أن يكونوا ممسكين وحدهم بالقلم الأحمر لتصحيح كراسات الآخرين، دون أن يكونوا على استعداد لعرض واجباتهم المنزلية على الرأي العام!
:::


‫4 تعليقات

  1. وتاني والله عفارم عليك يا ضياء الدين..

    مقال يوزن بميزان الذهب والأحجار الكريمة..

    لو كان كل مسئول في بلادي ليس يتقبل النقد بحسب ولكنه يبادر بإنتقاد نفسه علنا ويعتذر..

    إذن لإنصلح حالنا وصرنا في غمضة عين وإنتباهتها دولة ذات شأن في العلم والمال والأقتصاد وكل ضروب الحياة..

    ولكن وللأسف صرنا في قاع الدول حسب المعايير الدولية للشفافية والنذاهة..

    والمصيبة لو كان ذلك في دولة تحت أي مسمى لكان الأمر سهلاً ولا غرابة فيه

    ولكن أن يكون ذلك في عهد دولة المشروع الحضاري والصحوة الإسلامية فهنا الخلل وهنا الاسف الشديد..

    السؤال: هل نحلم يوما أن يخاف الله فينا رئيس دولتنا ووزراءه ومسئوليه ويوجهوا نقداً ذاتياً حقيقاً صادقاً لأنفسهم ومن في كفالتهم ويتوبوا إلى بارئهم ويتحللوا من كل مظاهر الثراء الباذخ والفاحش وذلك قبل أن يأتيهم يوم تلتف فيه الساق بالساق وإلى ربهم يومئذ المنساق..

  2. من هو الرزيقى ؟؟ ومن اين اتى ؟؟ اسماء هزيلة وفاشلة فرضها علينا هذا الزمان البخس .. الرزيقى احد توابع الخال الرئاسى .. الرزيقى , الهندى , البلال , بكرى , خوجلى , عثمان , الأعور الدجال اصبحت اسماء فى حياتنا .. اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا .. آمين !!!