عبد الجليل سليمان

أنصار السنة الليبرالية


بجانب جماعات إسلاموية متشددة أخرى، برزت جماعة أنصار السنة المحمدية منتصف القرن العشرين كواحدة من الجماعات الأكثر تزمتاً ويمينية، ونشطت الجماعة التي تتبع المذهب الوهابي اجتماعياً في بادئ الأمر وطفقت تدعو إلى التوحيد وتنقية الدين الإسلامي مما تعتبره شوائب، وإلى حب الله ورسوله حباً صحيحاً صادقاً وإلى ربط الدنيا بالدين بأوثق رباط: عقيدةً وعملاً وخلقاً، من أجل تأسيس مجتمع عبر الاحتكام بما أنزل الله (الشريعة) في جميع شؤون الحياة.
وعلى هذا النهج سارت الجماعة في السودان، الأمر الذي أوردها (تهلكة) الاحتكاك بالطرق الصوفية حتى وصل الأمر بينهما في أحايين كثيرة حد الصدام العنيف.
لا ينبغي هنا أن نقرأ توصيف الجماعة الوارد أعلاه بالمتشددة خارج سياق الخبر الوارد بعدد أمس من صحيفتنا والمنسوب لمحمد أبي زيد المسؤول السياسي في أنصار السنة المحمدية وزير السياحة الاتحادي الذي أقر بأن الغناء ليس حراماً وأن (داعش) بدعة. فجماعة أبي زيد ظلت لما يقارب (القرن) تكرس جهدها وتسخر أموالها وتُسيِّل عرقها لمحاربة الغناء وتحريمه وتجريمه، بل وإدراج الناشطين في هذا المجال الإنساني الحيوي والمهم – على أقل تقدير – ضمن أحد معنيي – بند (المؤلفة قلوبهم) القائل بأنهم (مسلمون ضعاف الإيمان)، ولم تكتف الجماعة بتحريم الغناء وتجريم المغنين، بل تجاوزتهم إلى مادحي الرسول صلى الله عليه وسلم، فظلت تنصب (خيمتها) في ساحة المولد النبوي الشريف ليس للاحتفال بالمناسبة الدينية التي تمجد هذه الذكرى العطرةـ بل للتنديد بها والهجوم على من ينفعلون بها واعتبارها بدعة وضلالة وبالتالي فهي (المناسبة) ومن (يحييونها) في النار.
مما لا شك فيه أن خطاب الجماعة المتشدد (على ذلك النحو)، أسهم عبر عقود طويلة وبفعل تيسير الدعم المادي له من (الخارج)، في إنتاج جماعات دينية أخرى على يمين أنصار السنة المحمدية وأكثر تطرفاً وتشدداً منها، مثل القاعدة وداعش، وهما منتجان أصيلان للخطاب الفكري والدعوي الذي انتهجته الجماعة وجماعات أخرى لا تقل عنها تشدداً.
لكن، الآن حصحص الحق، فتراجعت الجماعة على لسان (أبو زيد) عن تحريم الغناء، ثم خطت خطوة واسعة نحو الحداثة والديمقراطية بتجريم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام والمعروف اختصاراً بـ(داعش)، إذ اعتبرتها بدعة (وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
بطبيعة الحال، وطالما ظللنا ننتقد كافة الخطابات المنغلقة (يميناً أو يساراً) وندعو إلى ديمقراطية وحوار سلمى بين الكيانات السياسية والثقافية والاجتماعية، فإننا لا بد أن نثني على هذه الطفرة الفكرية وهذا الاختراق الأيديلوجي غير المسبوق الذي طرأ على الجماعة، ولكن ينبغي في ذات الصدد أن نشير بوضوح، إلى أن القياس الرياضي الدقيق لتصريح الجماعة (إياه)، يجعلنا نضعها في ذات التوصيف الذي وسمت به داعش، فنقول عنها إنها (بدعة)، لكننا لن نفعل، بل سنمضي قدماً في تشجيعها على الانفتاح، ونمن عليها بأن نصفها بأنصار السنة الليبرالية، ونسأل ألله أن يثيبنا على ذلك.


تعليق واحد

  1. للمرة الدشليون قلنا داعش والجماعات التكفيرية ليست متفرعة من فكر انصار السنة او حتي الوهابية بشكل عام وانما من فكر الاخوان المسلمين.