عبد الباقي الظافر

مصيدة الإنقاذ ..!!


قبل أسابيع هاتفني أخي الذي يسكن في قريتنا التي ترقد بهدوء عند منحنى النيل.. موضوع المهاتفة كان يتعلق بضرورة إرسال مكيف ماء متطور لمواجهة الصيف.. قبل سنوات قليلة لم تكن المراوح متوافرة في تلك القرى البعيدة.. الكهرباء ذاتها لم تصل إلى بيوت أهلي إلا قبل سنوات ليست طويلة.. حتى الخرطوم ذاتها وقبيل خمسة عشر عاما كانت وجود مكيف ماء دليل على ترف الحياة.. حينما انهيت مكالمتي مع أخي انتبهت إلى المهمة الصعبة التي ستواجه حكومتنا.. ارتفاع مستوى الحياة يحعل الناس لن تقبل بحياة الزهد والتقشف وبالطبع هذا من حق أمتي أن تعيش كسائر الأمم.
احتفى وزير النفط قبل أيام بالقبض على شاحنتين تحملان وقودا قيل إنه في طريقه للتهريب.. الوزير المهندس محمد زايد كان على رأس وفد كبير نفذ الضبطية أثناء تفقد محطات تقديم الوقود في العاصمة.. الوزير زايد طلب من المواطنين القيام بدورهم في مراقبة محطات الوقود، مؤكدا أن تعبئة الوقود في براميل مؤشر لعمليات تهريب لخارج الحدود.. من جهة ليست بعيدة بدأت ظاهرة صفوف العربات الباحثة عن التزود بالوقود تعود إلى المشهد السوداني بعد أن اختفت سنينا عددا.
من جهة أيضا غير بعيدة زادت السلطات الاقتصادية سعر الدولار القمحي بنسبة اقتربت من الثلاثين بالمائة.. الدولار القمحي يشير إلى القيمة التي تقدرها الحكومة لسعر الدولار الذي تمنحه للشركات المستوردة لهذه السلعة الحيوية.. رغم هذه الزيادة الكبيرة إلا أن الحكومة تفترض أن سعر الخبز يجب ألا يرتفع بحجة انخفاض سعر الترحيل بسبب انخفاض أسعار البترول.. الحقيقة أن الخبز سيرتفع وربما يصبح سلعة نادرة.
الكهرباء التي كانت تعد واحدة من إنجازات حكومة الإنقاذ باتت الأن نقطة ضعف.. سد مروي الذي كان يفوج له الناس في طائرات ليروا بأم أعينهم واحدة من معجزات الثورة بات الآن يتعرض لوابل من النقد غير المباشر من وزير الكهرباء نفسه.. الوزير معتز موسى أكد أن ذاك السد لا يغطي حتى احتياجات ولاية الخرطوم.. نقص الكهرباء مقرونا بشح الماء سيولد غضبا شعبيا في القريب العاجل.
في تقديري.. إن ارتفاع مستوى الحياة في كل أرجاء البسيطة أدى لارتفاع متطلبات الإنسان.. الآن لا يخلو أي بيت سوداني من هاتف خلوي.. بل عند الشخص الواحد تتعدد الأجهزة الذكية.. شبكة التواصل الاجتماعي باتت تجعل الناس يتبادلون الخبرات من وراء ظهر الحكومة.. لن تفلح التبريرات الحكومية في إقناع الشعب بأننا أمة مستهدفة.. الحكومة الآن تقول إنها تدعم سلعة البترول.. هنا في أمريكا يباع جالون البترول المستورد من الشرق الأوسط والمحمل بفواتير نقل ورسوم جمارك بالإضافة لضرائب باهظة لا يقل عن ثلاثة دولارات.. كيف يهرب هذا البترول إلى دول مجاورة مثل اريتريا تطل على البحر الأحمر تشتري بترولنا بأعلى من سعره العالمي .
بصراحة.. ما يهدد حكومة الإنقاذ ليس المعارضة المسلحة ولا قوى المستقبل ولا معارضة الشيخ فاروق أبوعيسى التي لا تقوى على الحراك.. الذي سيذهب بريح الانقاذ هو اقتصاد الندرة وارتفاع توقعات الناس في حياة طيبة ومعقولة.. للأسف هذه الحكومة لن تستطيع أن تتجاوز هذا المطب الصعب بيسر وسهولة.